والمُلاوَمة: أن تلوم رجلا ويلومك.
وتلاوموا: لام بعضهم بعضا.
واللوم: العَذْل.
ونقول: لام يلوم ولائم.
ويلومه ويلوم غيره ولا يلوم نفسه!
وفي اللوم سلوك إسقاطي، وآليات خداع وتضليل للنفس والعقل، وتحريف للحقائق وإغفال للأسباب، وإنكار للنتائج والتداعيات.
والتفكير في مجتمعنا يتحدد بهذه النظرية القاهرة للإبداع والابتكار والتقدم، وبسببه صار الميل السائد عبارة عن استثمار في الملاومة، وإمعان في استلطاف لِما تشير إليه وتعبّر عنه من وسائل وتفاعلات، تؤكدها وتفرزها وتجعلها موروثا بايولوجيا واجتماعيا، قائما ودائبا في عروق الأجيال.
نتعلم ذلك منذ الصغر، فإذا أخطأنا أنكرنا المسؤولية وألقيناها على الآخر.
والأب والأم يساهمان في ذلك، لأن عيونهما لا ترى خطأ أبئائهما، وكل ما يقومان به، هو تنزيه سلوك الطفل وتحريره من المسؤولية.
أبناؤنا لا يفعلون كذا وكذا، ولابد أن يكون الآخر.
ووفقا لهذه الآليات المتبادلة، تنمو في نفوسنا قدرات اللامسؤولية، وعدم الاعتراف بالخطأ، ونندفع باتهام الآخر، فترانا نتحدث عن المؤامرة على مستوى الفرد والمجتمع والوطن.
وفكرة المؤامرة، في معظم مراميها، محاولة للتنصل عن المسؤولية، وعدم الاعتراف بالخطأ، نرى ذلك في أنظمة عربية معاصرة وسابقة، وهي تعبر عن فقدان قدرات الرؤية الواقعية والعلمية والتحليلية والمراجعة والنقد.
إن المجتمعات التي تتعلم آلية الملاومة تتهاوى في وديان الخسران، لأنها تبدد طاقاتها وتمحق قدراتها، ولا تستطيع إبصار السبيل إلى المستقبل الأفضل، وتتحجم رؤيتها وتتصاغر في مكانها، الذي يزداد ضيقا واضطرابا وتفاقما.
وما نراه من انحدار إلى مدارات انقراضية ضيقة، كالطائفية والمذهبية والتحزبية والفئوية والفردية، وغيرها من دواعي التشظي والانهيار والاندثار، لدليل أليم على آليات الملاومة الفاعلة في عروق المجتمع، والتي ستلغي وجود الوطن كدولة، والمجتمع ككيان إنساني حضاري فاعل في صناعة الحياة الأفضل.
ومن يتعمق في دوافع التشظي والتفتت، يكتشف أن المشاعر السلبية والأفكار المتفقة معها، والناجمة عن نوازع الملاومة الخفية والدفينة فينا، هي التي تتفاعل بضراوة لصناعة الصيرورة الضارة بالمجتمع والوطن وتدمير المصلحة العامة.
إن وعي آليات الملاومة، وإدراك الوسائل اللازمة لتفاديها ومناوءتها، تحقق حضورا معاصرا للإنسان، وتنمي طاقات المجتمع، وتحمي الوطن من الانهيار والدمار.
فلماذا لا ننظر في أنفسنا، ونبحث عن الآليات المعوقة للمحبة والرحمة والبناء، والتفاعل الجماعي الوطني الصالح.
لماذا لا ندرك أسباب ضعفنا الحقيقية، ونطرد سراب النكران والتبرير، ونلعن الإسقاط، ونعرف كيف نتفاعل من أجل مصالحنا الوطنية والإنسانية، وثرواتنا ومستقبل أجيالنا.
إنها مسؤولية وطنية حضارية علينا أن نكون أهلا لها.
واقرأ أيضاً:
المعرفة والقوة!! / على مائدة الغداء!! / القوة الأمّارة بالويلات!! / الخَيار المفقود!!