الأحزاب العقائدية لا تفشل لأنها دينية أو علمانية وغيرها، وإنما لفقدانها الرؤية الوطنية والموضوعية والواقعية، وانقطاعها عن زمنها، وتجاهلها لحركة الأجيال، وعدم فهمها لآليات التفاعل الإيجابي والتكاتف، وعجزها عن تجديد مياه وجودها.
والأحزاب في المجتمعات المتأخرة ذات أعمار قصيرة، وتنتهي إلى مهاوي مأساوية، وتدخل في صراعات دامية مع غيرها من القوى والأحزاب.
والعلة أن الأحزاب العقائدية، تصاب بالأوهام، وتترسخ في منظومتها النفسية والفكرية والسلوكية، بأنها صاحبة الحقيقة، ولا تمتلك أية نسبة من روحية القبول بالرأي الآخر، لأنها تحسب ذلك عدوانا عليها، وطمعا في السلطة التي تمسك بها.
وتمضي على هذه الشاكلة حتى تتآكل وتتهاوى، وتدوسها سنابك القِوى وتجتثها وتمحقها، وتزيل وجودها المريض من الحياة السياسية والاجتماعية.
ومن الواضح أن الأحزاب العقائدية ليست وطنية، بمعنى أن مصلحة الوطن ليست من أولوياتها، وإنما التعبير عن العقيدة وفقا لفهمها من أهم أولوياتها، ولهذا فأنها تميل إلى صناعة الفرد المستبد، أو الدكتاتور، الذي يمتلكها، ويدمرها، لأنه يتحول إلى كل شيء في الحزب والحياة، وبسبب هذا الميل المنافي للموضوعية والواقع المتجدد، تتهاوى الأحزاب العقائدية وتنتهي.
وفي زمننا المعاصر، الذي يتحرك بسرعة لم تعهدها البشرية، فأن سرعة السقوط ستكون فائقة جدا، فلا يمكن للأحزاب العقائدية أن تبقى في السلطة لأكثر من بضعة أشهر، إلا إذا توفرت لها القوة المساندة، اللازمة لتدمير الآخرين، وتحويل البلاد إلى ساحة صراعات دامية.
وهذا ما يفسر سقوط حكمها السريع في مصر ، ذلك أن العقيدة تكون عمياء ، ولا يمكن لرموزها أن يكونوا ساسة على الإطلاق.
فالعقائد الحزبية، لا يمكنها أن تكون منطلقات لتفاعلات سياسية، وإنما لصراعات حامية مع القوى المتواجدة في البلاد.
بينما الأحزاب في الدول الديمقراطية المتقدمة، ليست عقائدية، وإنما وطنية، تتغير أهدافها ومناهجها وفقا للمصلحة الوطنية، والحاجات المتجددة المولودة عن رحم الحياة المعاصرة.
فلا تكون أهدافها وتطلعاتها ثابتة، ومَن يتابع تأريخ هذه الأحزاب يجدها في حالة مواكبة وتجدد وتفاعل خلاق مع زمنها.
وهذا ما ينقص الأحزاب العربية بأسرها، دينية أو علمانية، ذلك أنها في غفلة عن زمنها، ولا تفهم في التجدد والمواكبة والتطلع إلى الأمام.
وإنما تتقوقع في عقائدها ونظرياتها، التي لا تريد حتى أن تمتحنها وتجربها، لكي تعرف بوصلة اتجاهها الصحيح.
وفي هذه المرحلة لا بد من الاستفادة من التجربة، ومراجعة السلوك، وابتكار الآليات اللازمة لتحقيق النجاح والفوز من جديد.
فالديمقراطية ذات أبواب مشرعة، وفرص لا تنتهي، ولا يعني ضياع فرصة واحدة، هو النهاية، فذلك مفهوم عقائدي خاطئ، بينما المفهوم السياسي الراجح، أن الفرصة قادمة، وسنعمل من أجلها بروح ديمقراطية ووطنية عالية.
فهل عَقِلنا كيف نكون؟!
واقرأ أيضاً:
القوة الأمّارة بالويلات!! / المُلاوَمَة!! / الخَيار المفقود!! / الديمقراطية!!