كما تدور الأرض حول الشمس وحول محورها كذلك هو حال الإنسان منذ بداية الخليقة حتى يومنا هذا. تراه في صراع مستمر في مواجهة تحديات لا نهاية لها مع المناخ الذي يعيش فيه، الكائنات الحية الأخرى التي لا يراها بالعين وتفتك به بين الحين والآخر، والبشر الذين يحيطون به ويتعامل معهم. هذا الدوران الإنساني لا نهاية له، ولكنه عكس الأرض التي يعيش عليها، يبحث الإنسان دوماً عن مأوى ويعثر عليه. هذا المأوى يحميه من قسوة الشمس أو البرد أو كل ما يفتك به. هذا المأوى هي الخيمة الروحية التي يلتجأ إليها الإنسان هرباً من قسوة الدنيا ليستريح مؤقتاً ويسترجع قواه ومعنوياته.
هذه الخيم تتواجد في كل بقاع الأرض. يدخلها الإنسان وهي خالية من متاع الدنيا ولكنها تعزله عن أزمات الحياة وتحدياتها. يدخل الإنسان هذه الخيم الروحية لصفاء الروح والدعاء وطلب العون المعنوي لمواجهة الحياة وأزماتها. يستهدف الإنسان إدراك الروح التي في داخله والتي اكتسبها من الرب الذي خلقها وامتلأت بالحب الإلهي. يفهم الإنسان الحياة ويدرك أن عليه التعالي على تحديات لا يصعب مواجهتها ويبدأ الحب يغمر وجدانه ويتوجه نحو حب ربه وكل ما خلقه الباري عز وجل. هذه هي وظيفة هذه الخيم في كل زمان ومكان.
من اكتسب هوية إسلامية لا يصعب عليه العثور على خيمة إسلامية. لكن خيمة الإنسان الإسلامية هذه الأيام واسعة للغاية ومزدحمة بالأعلام. هناك علم أخضر وأبيض وأسود وأصفر، وجميعها لا تعطي الإنسان الفرصة ليعتزل الدنيا ومصائبها. الأعلام جميعها تحمل أكثر من شعار ويحملها من يدعي أنه هو الفقيه والعالم برسالة رب العالمين. لا يتوقف حامل الراية عن الحديث ولا يقوى أحد أن يقول له توقف عن الكلام. يتحدث عن إصلاح الناس دون إصلاح نفسه وتأديب الناس قبل تأديب نفسه.
لا يتوقف صاحب الراية عن موعظة الناس في كل صغيرة وكبيرة:
كيف تأكل الطعام...
كيف تستحم...
كيف تصلي...
كيف تتزين...
ماذا تلبس...
ويضيف إلى ذلك بأنهم خير أمة على وجه الأرض!!.
وبعد ذلك كله تبدأ الموعظة الكبرى وهي كيف تفهم السياسة، والتي لابد أن تكون امتداداً لإيمانك. لا إيمان بدون سياسة ولا سياسة بدون إيمان. هذه هي معادلة الدين والحياة في العالم الإسلامي هذه الأيام.
تم استحداث معادلة الإسلام + السياسة = الحل لسبب واحد وهو فشل المجتمع العربي الإسلامي في رعاية الشباب واستحداث فرص عمل لهم وتطوير مستوى معيشتهم.
مأساة الشباب في العالم العربي
هناك إحصائيات عالمية وصادرة من البلاد العربية تثير الاستفهام والاستياء حول حال الشباب العربي1. الأرقام الأولى حول نسبة البطالة في العالم العربي في الشباب من عمر 15 -24 عاماً. إذا نظرت إلى الشباب الذي تخرجوا من مؤسسات تعليمية جامعية فنسبة البطالة كما يلي:
تونس 60%.
المغرب 55%.
الأردن 48%.
مصر 30%
العراق 26%.
أما من ناحية التعليم فهي أسوأ من ذلك بكثير. عملت الدول العربية جميعها على محو الأمية، ولكن تعليم الإنسان القراءة والكتابة لا يؤدي إلا إلى إصدار أرقام تتحدث عن الكمية دون النوعية. نجحت المملكة العربية السعودية في تقليص نسبة الأمية بين السكان من 87% عام 1960 إلى 13%. أما مقارنة مستوى الطلبة السعوديين دون عمر 13 عاماً بغيرهم فالأرقام غير ذلك. هناك عتبة معينة تم استحداثها عالمياً تسمى المستوى الأدنى في الرياضيات والعلوم. نسبة الطلبة السعوديين الذين يصلون هذه العتبة أقل من 50% مقارنة بـ 99% من الطلبة الكوريين و 88% من البريطانيين. أما المستوى المتقدم للعلوم والرياضيات فنسبة الطلبة السعوديين هي دون 1% مقارنة بـ 47% من الكوريين و 8% من الإنكليز.
شارك في هذه الدراسات 63 دولة وحتى قطر الغنية جداً احتلت مركزا أقل من ألبانيا الفقيرة جداً!.
أما الهزيمة الكبرى فهي احتلال الدول العربية التسع المشاركة المراكز العشرة الأخيرة في التصنيف.
لا يصعب على القارئ استنتاج الأسباب التي تفسر مأساة التعليم والشباب في العالم العربي.
من أبسط الأمور التي يتحاشى البعض الخوض فيها هي الاحتياجات الجنسية للشباب العربي. هذا الاحتياج يصعب تلبيته لأسباب اقتصادية واضحة. يتم تلبية هذا الاحتياج عن طريق الزواج ولكن لكي يتزوج الإنسان يحتاج إلى سكن. لكي يحصل على سكن يحتاج إلى عمل ومال. دون ذلك يبقى الشباب العربي في حالة اتكال على الأهل وأحيانا يستمر ذلك إلى نهاية العمر. ترى أصحاب الراية الدينية يحشرون أنفسهم في الكلام عن العلاقات الجنسية وما إن كانت العادة السرية حلالا أو حرام، ويفتون بزواج المسيار والعرفي والمتعة وغير ذلك. هذه المأساة لا تخص الذكور فقط وإنما الإناث أيضاً.
تضاعف عدد سكان العالم العربي 3 مرات منذ عام 1970 ومن المحتمل أن يصل تعداد السكان إلى 600 مليون نسمة في عام 2050. هذا الانفجار السكاني لا يزيد الأمور إلا تعقيداً لكل من يتولى مهام السلطة وإدارة شؤون البلاد.
الاحتياجات التعليمية والاقتصادية والجنسية لا يتم تلبيتها داخل الخيم الإسلامية. هذه الخيم الإسلامية تستقبل الإنسان العربي من ساعة دخوله التعليم ولا يجد سواها حتى بعد رحيله لمواجهة تحديات العمل إن نجح في العثور عليه.
المستقبل
اشتبهت الأمور على المواطن العربي خلال نصف قرن من الزمان و"إن الأمور إذا اشتبهت اعتبر آخرها بأولها"2. البطالة واليأس في كل مكان، والشاب العربي لا يرى سوى الخيم الإسلامية يحتمي بها ولكنها لا تحميه. أثبت الحل الإسلامي بأنه لا يقل دموية في جميع الأقطار العربية والإسلامية وليس البديل لأنظمة دكتاتورية لم تتأخر لنصب الخيام الإسلامية في كل مكان. لكن الإسلام ليس هو الحل لمشاكل الإنسان العربي التعليمية، والفكرية والسياسية والأهم من ذلك الاقتصادية.
لا أحد يستطيع حرمان الإنسان المسلم من تلبية احتياجاته الروحية من خلال دين عظيم، ولكن يجب توخي الحذر من استغلال العقيدة الإسلامية للسيطرة وإخضاع الشعوب. هناك عتبة معينة للإنسان إن وصلها تمرد على كل شيء في الحياة وحتى على دينه. وصدق من قال: "إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم"2.
المصادر:
1- الملحق الخاص عن الشرق الأوسط. الإيكونيميست 12 تموز 2013.
2- نهج البلاغة. طبعة 2013. انظر كذلك في شرح النهج لابن أبي الحديد.
واقرأ أيضاً:
حلم ورؤيا من التراث إلى العلم / الحضارة العربية الراهنة بين الماضي والمستقبل / صور جبهيه وجانبية نفسية: سيدة من ماينمار