يقوم بالثورة في مصر الآن طرف هو الإسلاميون يشعر بالظلم والقهر والإقصاء القسري من طرف آخر هو السلطة الحاكمة، ورد السلطة الحاكمة يتراوح بين الإنكار والتجاهل والتهوين ومحاولة التعاطي مع الثورة بالاحتواء وتفريغ الشحنة أو باستخدام القمع بصوره المختلفة بما فيها العنف الممنهج، والتزييف الإعلامي منقطع النظير... فأمامنا تحدث أكبر عملية غسيل مخ يمكن أن تحدث في زمن الإنترنت والسماوات المفتوحة وتستخدم فيها كل أنواع الكذب والتضليل..... والتي رغم كون أغلبها يفتضح أمره أو هو يأتي مفضوحا إلا أنها ما تزال مؤثرة في قطاع عريض من الناس.
وبينما تدعي السلطة الانقلابية الحاكمة أنها مدعومة شعبيا فإننا نراها تفشل في إثبات ذلك حتى ليبدو أن وسيلتها الوحيدة لإثبات ذلك هي ادعاؤه والإصرار على ذلك الادعاء ... فلمرات متتالية يفشل الانقلابيون وتفشل السلطة الحاكمة في الحشد من خلال مؤيديها وإن حشدت تبدو حشودها عاجزة عن الشحن والتأثير إلا بمظاهر الاحتفال المصطنع وتراها تقدم الهدايا والمغريات لتشحن الناس جنبا إلى جنب مع شيطنة الثوار وإطلاق التهم عليهم، وفي موازاة ذلك تحدث الأخطاء المتتابعة في أداء الانقلابيين في مصر ....، ويظهر جليا أن القائمين بذلك الانقلاب وداعميهم هم صنوف شتى وتحالفهم هش، وتتسبب الرغبات الانتقامية المتعجلة لبعضهم في إحراج الجميع وتأكيد الهاجس الذي يعاني منه غالبية المصريين من أن ما حدث هو عودة إلى مصر مبارك.... حقيقة تقنعني مراقبة المشهد دوما بأنه لا توجد ثورة تمثيل.
وأما الثائرون من الإسلاميين فتتزايد أعدادهم ويتصاعد إصرارهم وثباتهم ... فنرى كيف تتصاعد المعنويات خلال الثورة وكيف تتفتق الأذهان عن إبداعات في فنون التعبير عن الحالة الثورية وأخرى في فنون التأثير في الآخرين سواء من المعسكر المحايد أو المعادي... تتغير الهتافات والشعارات وتصبح أكثر إبداعا كل يوم، كما تتغير العروض على المنصات وتتطور الفعاليات وتتسع رقعتها جغرافيا في مشهد هو أصدق تعبيرا عن الثورة حتى من ثورة 25 يناير أو لنقل أكثر من الموجة الأولى لثورة يناير 2011.... فالثورة الآن أصدق والثوار أقل خوفا وتهديدا حتى الآن مما كانت عليه الأوضاع في ثورة 25 يناير .... ذلك على الأقل داخل الميادين.... بينما يجد البعض في المجتمع مشهدا مخالفا لما كان في 25 يناير لسبب بسيط هو انقسام الناس الذي لم يكن واضحا ... بينما هو الآن واضح ومتأزم.
تحاورت مع ابني وقد سألني ما الذي يعنيه أن يحتكر الإسلاميون الإسلام؟ ألسنا مسلمين مثلهم ؟ فقلت له هم لا يحتكرونه وإنما هم يسلمون له ويستخدمونه بما له في قلوب الناس طريقا للوصول إلى تحكيم الإسلام في الدولة .. ذلك هو الفرق بين مسلم وإسلامي كما أفهمه... باختصار أنت مسلم تعبد الله وتؤمن بشرعه لكنك تحتكم إلى قانون غيره، بينما هم مسلمون يعبدون الله ويؤمنون بشرعه لكنهم يسعون إلى تحكيمه، هم يمثلون التوجه الإسلامي في السياسة ويسعون لتفعيله وإعداد صيغته المناسبة للدولة المدنية بينما غير الإسلاميين لا يعنيهم هذا الأمر.... فانظر نفسك مع أي فريق تكون مع الانتباه إلى أن المقصود هنا ليس التطبيق المباشر للشريعة الإسلامية وإنما هو الوصول إلى صيغة تستقي من الشرع وتطوع غيره عليه وليس العكس وهو الحاصل الآن.
منذ جمعة العاشر من رمضان أو كما سماها المعتصمون جمعة كسر الانقلاب وأنا عاجز عن منع ذهني من الاسترسال في التأملات عن حالة الثوار في رابعة العدوية وعموم أنحاء مصر وهم يخرجون صائمين في حرارة الشمس .... ومقارنتها بحالة المعتبرين "ثورتهم" بين علامتي تنصيص نجحت ....يومها بقي ميدان التحرير (الذي اتضح أنه بالشوارع المؤدية له يسع 700 ألف نسمة مستريحين وبالتالي فإن من كانوا في التحرير كانوا مليون ولو كان الناس راكبين بعضهم فوق بعض.. وأرجو من من لا يعجبه الكلام أن يبحث بطريقة علمية كما فعلت قبل أن يرغي ويزبد في باطل) بقي ميدان التحرير فارغا حتى ما بعد المغرب ... بينما خرجت مسيرات الثوار من أدنى مصر إلى أقصاها..... في ذلك اليوم قلت لابني الأوسط (المؤيد لانقلاب السيسي) قبل أذان المغرب بدقائق أعرفت أن أحدا لن يخرج فقال لي الصيام والحر والشمس شديدة في التحرير... فرددت عليه متفكها صحيح أنا ناسي أن رابعة لا توجد فيه شمس ولا حر ولا صائمين!
واقرأ أيضًا: