عندما وقعت كارثة الثالث من يوليو 2013 وبدا للعيان أن الجيش والشرطة بدعم من القضاء والإعلام قد أحكموا قبضتهم الحديدية على مصر، كما بدا أن تأييد الرئيس مرسي سيتحول إلى تهمة قد تؤدي إلى الاعتقال في مصر أمن الدولة الجديدة، كانت الأحداث والأجواء منذ اللحظات الأولى للانقلاب تعطي لمن يعرف من المصريين شعورا بالرجوع إلى أيام أمن الدولة في عهد الرئيس عبد الناصر....ـ، وحقا بدت الصورة قاتمة ربما لأن أحدا لم يكن يعرف حجم مؤيدي مرسي في حين كانت أسطورة الملايين العشرين الثلاثين الأربعين الذين خرجوا معارضين لمرسي ماثلة في الأذهان دون تفنيد، في تلك الأيام كان يخيل لأصدق مؤيدي مرسي أن الحديث عن عودته يعد ضربا من الخيال... وكان سؤال هل ممكن مرسي يرجع؟ سؤالا كثيرا ما جرى على ألسنة المؤيدين! كان في الأمر كثير من الشك.
وقد قام الانقلابيون أثناء إلقاء السيسي لبيانه أي في اللحظات الأولى بتكميم كل الأصوات التي يمكن أن تتحدث عبر الإعلام من خلال إغلاق كافة القنوات الإسلامية والقبض على العاملين فيها، وكأنهم على الفور بدؤوا بقاعدة اضرب المربوط ليخاف السائب وظلوا مصرين عليها رغم فشلها الواضح! ذلك أن السائبين من مؤيدي الرئيس بدلا من أن يَخافوا.... احتشدوا وأصروا واستمروا وقاوموا باستبسال... وظلوا يتزايدون يوميا..... لكن أحدا من مؤيدي مرسي لا ينسى كيف شعر في الأيام الأولى للانقلاب عندما كان الواحد يتحسس الآخر قبل أن يظهر رأيه له، ويتوقع الهجوم بسؤال إنت كان يعجبك مرسي؟!
ومنذ الأيام الأولى للانقلاب تكررت تصريحات الانقلابيين بأن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء ومرسي أصبح جزءٍا من الماضي وطبَّل بذلك إعلامهم عازفا كل ما يمكن من مقطوعات لترسيخ فكرة أن عودة مرسي كمثل عودة الزمن الماضي وعقارب الساعة إلى الوراء.....، ثم مع بداية تصاعد فعاليات الاحتجاج أصبح كل من يشير إلى إمكانية عودة مرسي كجزء من الحل ولو مؤقتا يوصف بالواهم وبالحالم وبالمعزول عن الدنيا... في البداية كان يقال بأن أحدا لا يريد مرسي وبأن المحتجين هم جماعة الإخوان ومحبيهم... ثم بعد اتساع نطاق الاحتجاجات وفشل المجازر في تقليل أو الحد من زيادة أعداء المعتصمين والمتظاهرين يوميا طوال شهر رمضان، بدأ الحديث عن استحالة رجوع مرسي لأن هذا سيقضي على السيسي... ثم عن كيف سيحكم مرسي هذا البلد وقد ظهرت خيانة الجيش والشرطة والقضاء والإعلام بجلاء للجميع!
وعندما قدمت مبادرة الدكتور سليم العوا وكانت أول مبادرة تقتترح عودة مرسي جاء رد الفعل الرسمي لها إهمالها تماما والتأكيد على أن الدكتور مرسي لن يكون جزءًا من أي عملية سياسية مقبلة في مصر... إلا أن وضع عودة محمد مرسي رئيسا على قائمة مطالب المبادرة مثل كثيرا من الدعم النفسي للمؤيدين الذين كان بعضهم ما يزال يشعر بصعوبة هذا الأمنية،.... لكن في نفس الوقت أشار ذلك إلى وعي وجاهزية أصحاب هذه المبادرة فقد كان من أوائل من استشعروا خطورة الأزمة التي تعصف بمصر، خاصة وأن تصرفات الانقلابيين والقرارت والتصريحات التي تصدر عنهم والفضائح التي توالت في صور أفلام الفيديو بين الملفق والمسرب....إلخ،
كانت تشير بوضوح إلى أنهم يقصون الإسلام لا الإخوان –من وجهة نظر الإسلاميين على الأقل- وهو ما كان ينذر بهبة شعبية لا قبل لأحد بها....، كما كانت تظهر بوضوح لكل ثائر موضوعي نابه إسلاميا كان أو غير إسلامي أن المقصود لم يكن إقصاء الإخوان بقدر ما هو إجهاض الحمل الأخير لثورة 25 يناير... فكل منجزات الثورة تم إلغاؤها فعليا... وفي مشهد هزلي بامتياز لم يعترض أحد في مصر! باستثناء الإسلاميين!... وكأنهم كانوا الثوار الوحيدين!، أو هم من تبقوا من الثوار!... بدا النظام الانقلابي إذن للوهلة الأولى في منتهى القوة والحسم وبلا معارضة فأين لمؤيد بتمنى عودة محمد مرسي؟
ومع دخول العشر الأواخر من رمضان أو ربما قبلها بقليل كانت الصورة جد مختلفة وكانت مشاعر الانتصار تتحول بالتدريج من الانقلابيين إلى الإسلاميين،... ظهر للجميع ثبات معارضي الانقلاب وإصرارهم وقدرتهم المستمرة على التصعيد، بل بدا واضحا أن ممارسة العنف ضدهم تكسبهم صلابة أكثر فضلا عن حصولهم على التعاطف الدولي والمحلي... وإضافة لكل ذلك ظلت تخدمهم حالة الارتباك الشديدة التي أصابت الانقلابيين فتكررت أخطاؤهم واهتزت صورتهم كثيرا في أعين الجميع بما تجاوز قدرة المدافعين عن الانقلاب على التبرير،... ثم بدت الأفعال –وليس الأقوال- تعترف بفشل الانقلاب وصولا إلى محاولة إنقاذه بطلب المساعدة من أمريكا لتضغط على الإخوان وكانت هذه الخطوة غلطة فادحة من عدة أوجه:
1- تعتبر اعترافا من الجنرال قائد الانقلاب بأنه فشل في ترتيب الأمور بشكل مستقر، واستعانة من جانبه بالغرب لحل المشكلة.
2- تفترض هذه الخطوة أن المعتصمين والمتظاهرين في ميادين مصر وشوارعها هم الإخوان المسلمون وهو ما يعكس عجزا كبيرا عن فهم الأمور على حقيقتها.... بل إننا لا نبالغ إن قلنا أن قدرة الإخوان المسلمين على التأثير في مطالب وتوجهات المتظاهرين تصبح أقل كلما اتسعت أطياف معارضي الانقلاب وهو ما يحدث بامتياز.
3- كذلك كانت هذه الخطوة تعبيرا عن ثقة أكثر من اللازم بكثير في ولاء أمريكا للانقلاب وهو إشارة أخرى على العجز عن فهم الأمور على حقيقتها، فأمريكا ولاؤها دائما أبدًا لمصلحتها.... فقد كان توقع الجنرال هو أن ينجح الأمريكان في الضغط على الإخوان... وعندما اكتشف أنهم في النهاية يضغطون عليه هو اضطر إلى رفض المبادرة الأمريكية واعتبارها تدخلا في الشأن المصري! وهو ما يتنافى منطقيا مع طلب المساعدة منهم.
4- دفعت هذه الخطوة سقف مطالب المحتجين على الانقلاب إلى أعلى فأعلى.... كما دفعتها المفاوضات التي اضطرت حكومة الانقلاب لإجرائها في السجون إلى أعلى فأعلى.... ثم زاد كل ذلك من إصرار المعتصمين والمتظاهرين وشعورهم بالنصر القريب وهو ما يعني استمرار عدم الاستقرار.
5- أدت نتيجة هذه الخطوة إلى ضرورة التعامل مع أزمة علاقات مع الإدارة الأمريكية، وسرعة الإعلان عن تصرف حازم ينهي الاعتصامات بعد فشل الوساطات والمفاوضات... ومعروف أن ذلك سيزيد جدا من أعداد المعتصمين كما يزيد من رقعة الاعتصامات وعددها... وهو ما يعني إشكالية أكبر.
وهكذا بعد أكثر من شهر على انقلاب 30 يونيو الأسود تبدو المخاطر المحدقة بمصر أكثر جدا مما كانت قبله على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والإنساني والعسكري!... وفي تزامن مع ذلك يكسب محمد مرسي تعاطفا وتأييدا يتزايد وتتسع رقعة انتشاره دوليا يوما بعد يوم....، ظن الانقلابيون أن تأييد مرسي سيكون في جميع الأحوال قابلا للاحتواء ولن يكون صعبا إقناع العالم بأن 30 يونيو كانت ثورة شعبية، وأن تدخل الجيش كان لحماية الديمقراطية وإعادتها إلى مسارها وهو ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي جون كيري صباحا ثم تراجع عنه مساءً في نفس اليوم،.... واضح أن إصرار المعتصمين والمتظاهرين على استعادة الشرعية والرئيس المنتخب فعل وما يزال يفعل فعله في العالم وبشكل يجعل من عودة الرئيس مرسي ممكنا... خاصة وأن الوسيلة الأقرب لحقن دماء المصريين صارت عودته.... فضلا عن كونه الأساس الذي لا تنازل عنه من قبل المتظاهرين والمعتصمين، والذين يحتاج إرضاؤهم بالتأكيد أكثر مما يرضي الإخوان المسلمين.
واقرأ أيضًا:
الثورة بحق وحقيق والثورة تمثيل ! / نظارة السيسي السوداء نهاية تمثلية الثورة ! / دور الشرطة المصرية في إفشال الانقلاب! / الحالة النفسية للانقلابيين في مصر