التغييرات التي تسمى ديمقراطية قد خيبت الآمال، وتسببت بإزهاق عشرات بل مئات الآلاف من الناس الأبرياء، تحت راياتها التي جاءت كالزائر الغاضب الغريب عن الواقع العربي، ولم تنمو في المجتمع كبذرة لها جذورها وامتداداتها الوارفة في الحياة.
وهذه الزائرة لم تعبّر عن نفسها كما تصورها أبناء المنطقة، على أنها مشروع أمل وتقدم ورقاء، وإنما ترجمت نفسها على أنها أداة للتخريب والدمار، والتفتت الاجتماعي وصناعة الأحزاب المتطرفة والمليشيات المسلحة، والتناحرات الدامية ما بين أبناء الشعب والوطن والدين الواحد.
أي أنها قد أجهضت الطموحات، وتسببت في تداعيات مريرة، حتى أوجدت حالة من الكراهية الشديدة ضدها.
وعلى مدى عقدٍ من الزمان لم تأخذ الديمقراطية بمسيرة المنطقة إلى ما هو أفضل، بل أصابتها بمقتل، وخيّمت عليها إرادة التقاتل والتصارع الدامي، ما بين الموجودات الحية وغيرها، والتي تحولت إلى مشروع دائم للخراب السعيد.
وفي هذا المأزق الحضاري والمصيري الخطير، ثمة سؤال مفاده هل من فرصة؟!
ولا بد من الجد والاجتهاد في الإجابة عليه، لأن المنطقة على مفترق طرق، فإما أن تعيش في مستنقعات اقتتال دامية على مدى القرن الحادي والعشرين، وهذا هو المطلوب والمبرمج، أو أنها تبحث عن فرصة خلاص، وتنتهج طريقا آخر تحفظ فيه ثرواتها وبلادها وعبادها.
فما هي الفرصة؟
إنّ عناصر الفرصة تكمن في الوعي الواضح، والإدراك العميق لحقيقة قدرة أبناء الأمة على صناعة وجودهم الأفضل، بالتعاون والتلاحم والتحمل واحترام الرأي والمعتقد، وأنهم عاشوا لآلاف السنين على هذه القيم والمبادئ، ومن الغي أن ينكرونها ويخنعوا لإرادة الآخرين.
وعليهم أن يصنعوا نظام حكمهم الذي يحميهم، وإن لم يجدوا أنفسهم مؤهلين للديمقراطية الحقيقية، فمن الأفضل لهم الرجوع إلى نظام حكم آخر، يؤهلهم للوصول إلى حالة النضج الديمقراطي المتفق وحاجاتهم وخصوصياتهم.
فالديمقراطية عليها أن تُكتشف في الناس، ولا يمكن استيرادها كبضاعة فاسدة للاستهلاك، كما يحصل في المنطقة، ولهذا ما أسهمت في أي تقدم اقتصادي، وما وفرت أبسط الحاجات، فبدت كألعوبة وقناع، ووسيلة لتأهيل الناس لكي يكونوا أعداء بعضهم.
فهل سنلد ديمقراطيتنا من رحم وجودنا وبطن حقيقتنا، أم سنبقى مدمنين على الاستهلاك الحضاري المبيد؟!!
واقرأ أيضاً:
الديمقراطية!! / الفشل الحزبي!! / الرسالة والإصرار!! / الاندماجية!!