قمت هذا الصباح مُتوجسا بعض الشيء... خائفا على الدماء التي سوف تسيل ونادما على التي سالت ورغم أنني لا فوضت أحدا في قتل الناس ولا أعلنت أبدا اعترافا بهذا الانقلاب إلا أنني أشعر أنني كوائل أبو هندي لم أفعل كل ما يجب فعله!... شوراع مدينة الزقازيق حوالي التاكسي تكاد تكون فارغة مقارنة بالمعتاد في العاشرة والنصف من صباح الجمعة... لذلك كان التاكسي يطير ومعه تتطاير الانفعالات المتبادلة المعتادة بين سائق تاكسي وراكب إلى جواره في شوارع مصر عقب انقلاب يونيو الأسود وفي أغسطس عز التراب والحر، ..... "الله هو انت مع مرسي يا دكتور" ...." يعني بذمتك ينفع ما فعلته الإخوان" ... أو "ما يفعله الإخوان" .... "ربنا يستر احنا طول اليوم نتخانق مع الناس" "الطف بنا يا رب" ! ... هذا الجو لم يماثله جو من قبل إلا الجو المصري في أوائل فبراير 2011 بعد الخطاب العاطفي لمبارك الذي شهد انقساما عنيفا وحادا بين المصريين واستمر ليومين أو ثلاثة ثم أنقذ الله الثورة بجريمة موقعة الجمل.... جمعة تبدو من أولها شبيهة بجمعة الغضب 28 يناير 2011..... مع فارق واحد واضح هو الانقسام الحاد في الشارع المصري.
مررت بالعيادة وبقيت بها أتصفح مجانين بعدما أصبحت بعض الموضوعات تنشر دون أن أراجعها أو حتى أعلم بها ... ورغم أن هذا عادي ومفروض يكون حاصلا من زمن، لكن الحقيقة أن الوقت الحالي الذي وجد الانقسام في الرأي فيه في فريق مجانين نفسه ... أصبحت مطالبا بالإبقاء على متابعة كافة المواد المنشورة، وذلك رغم اللهاث الذي لم ينقطع منذ انقلاب 3 يوليو الأسود جريا وراء الأحداث والأخبار وسعيا بتبصير الناس ... والإصرار على أن يكون لموقف واضحا وقويا وحقيقة فقد وصفت نفسي قديما على هذا الموقع بأني أصبحت طبيبا نفسانيا إسلامي الهم وتسألت منذ متى وأنا إسلامي الهم؟ ... لكنني اكتشفت بالفعل ومنذ إلقاء السيسي لبيانه الانقلابي وما تلىى ذلك من أحداث اكتشفت أنني أصبحت إسلامي الكل أو كلي إسلامي وليس فقط همي إسلامي.
وعندما كان المؤذن يؤذن لصلاة الجمعة كان أمامي قدح نسكافيه ممتلئا أعده السكرتير لي ومضى ليصلي في بلده على بعد كيلومترات من الزقازيق... سكبت عليه بعض الماء البارد اختصارا للوقت ... ذهبت توضأت وعدت لأشربه وقد بدأت الخطبة في المسجد الكبير القريب من عيادة الزقازيق مسجد جمعية المحافظة على القرآن بالزقازيق، .... رأيت على الفيسبوك أحد الفيديوهات التي أخذت لجريمة حرق المعتصمين العزل وهم في معتصمهم تحت بصرر العالم 2013... صحيح أن من بين أهلي من يصف المعتصمين بالدون من الوصف ويرى أنهم حذروا ونبهوا لكن لم يستجيبوا !! إلا أنني لا أستطيع حتى لحظتي هذه تقبل ما جرى ولو قيد أنملة من الرضا عن ذلك في تفسي علىى طريق القبول،.... في نهاية الحارة الموازية للحارة المجاورة للمسجد أو لنقل على رأس الحارة كان أحد رتب الشرطة جالسا كالباشا وإلى جواره اثنان جالسات من صغار الباشوات ثم يقف فردا أمن من القوات الخاصة من المقاسس المتوسط حراسة تقريبا لسعادة الباشا...قلت كما كان يقول المصريون عند رؤية رتب الشرطة في الشارع خير اللهم اجعله خير وحقيقة هو منظر لم نجده عند مسجد منذ أيام حسني مبارك، لكن لم يفتني وجال في خاطري الشبه الواضح بين الفرد الأمني من القوات الخاصة والبلطجي! وضحكت حزينا بيني وبين نفسي قائلا لا لا أفراد الحراسة من القوات الخاصة التي ترتدي زيا مدنيا لكن البلطجية هم من القوى الخاصة التي تستخدم عند الحاجةة لعدم احترام حقوق المواطن ... ويا حظ الباشا ذي القوى الخاصة والقوات الخاصة.
عندما وصلت إلى الحارة الموازية للمسجد قررت الصلاة فيها لوجود ظل بها، وعندما رأيت أعداد الناس أخف من المعتاد قلت ؟ ما هذا ألن يخرج أحد من هذا المسجد، أم أن الناس خائفين لأن الداخلية ستستخدم الرصاص الحي؟ .... كان الخطيب يتكلم عن ضرورة حقن الدماء والاتفاق والجلوس إلى مائدة الحوار وتجنب الفتنة والتزام البيوت .... ثم بدأ يستنكر الأوضاع الحالية والأحداث فذكر حرق الكنائس وحرق المساجد وحرق أقسام الشرطة ... والتمثيلل بالجثث كأفعال يستنكرها الإسلام كلية مع أي كائن بشري مسلم أو كتابي أو حتى كافر... لكنني لاحظت أن مولانا لم يتطرق لحرق الجثث وهو من أبشع أشكال إهانة الجثث الآدمية ، ولا حتى لحرق الأحياء المحاصرين في خيام... استفزني ذلك ... فلم أتمالك نفسي وقلت هامسا وحرق الجثث ولا هم الإخوان فقط من يقال أنهم فعلوا ؟؟ إن من فضوا الاعتصامات السلمية قاموا بحرق جثث لأحياء وميتين ... فقال لي العجوز الذي كان بجواري الإخوانن هم الذين أشعلوا النار في الجثث!... أصابني الخرس وهو بفضل الله اختيار استرتيجي في مثل هذه الأحوال لأنك لو تساءلت معقول الإخوان يحرقون جثثهم فيقول لك نعم كي لا يكتشف أنهم من حماس أو من السوريين ... يعنيي ما لم تكن حبوب الضغط وربما المهدئ في جيبك يفضل أن تسكت عند الحديث مع مشجعي الانقلاب المتعصبين.
كان واضحا أن إماما يستشهد بأحد أئمة مبارك المشهورين هو إمام يتبع تعاليم النظام ... فقد المسجد فعلا دوره الاجتماعي الحقيقي... بل هو يبدو مستعدا لوقفه، وأوجعني ذلك التراجع للمسجد عند دور اجتماعي أصيل كانت أحلامنا بشأنه بادئلة في التجدد أيام حكم الرئيس مرسي، .... سألنا الاستغفار .. فاستغفرنا الله وكانت الخطبة الثانية قصيرة بفضل الله ولا أستطيع تذكر شيء منها... لكنني عند إقامة الصلاة فوجئت ونحن نرص الصفوف بالباشاا الكبير والاثنين الصغار قادمين للصلاة ... تحاشيت أن يجاورني أحدهم في الصلاة ... ثم وللأسف تركني من على يساري لمكان في الصف الذي أمامنا ووجدت أن أحد فردي الحراسة سيقف بجواري فما كان مني إلا أن طلبت منن جاري الأيمن أن يأخذ مكاني وكنت قد أخذت مكانه، وحمدت الله كثيرا كي لا يضيع غضبي صلاتي !
بعد الصلاة انتظرت انحسار حرارة الظهيرة وطلبت من السائق أن يأخذني إلى بلد قريب من الزقازيق إذ كنت على موعد ... ثم رجعت في حوالي الرابعة بعد العصر إلى الزقازيق ورحنا نبحث بالسيارة أين متظاهرو الزقازيق ... وطوال الطريق إلى مسجد الفتح كانت الطرق المرورية مغيرة بأمر الشرطة وهناك حواجز يقف بالقرب منها رجال من نوعية "رجال السيسي الشرفاء" ... بسمتهم البلطجي ولم يكن واضحا هل هم شرطيون أصلا أم انتسابا؟! ... الشارعع لا توجد به سيارات كثيرة رغم أننا تجاوزنا العصر، والناس وجوههم مباركية بامتياز وهي جوه مصريين غالبا ما يؤدي سؤالهم أين ذهبوا أو ماذا حدث للمتظاهرين؟ إلى سيل من اللعنات على الإخوان .... تلافيت حدوث ذلكك واستخدمت خبرتي السياحية مع المظاهرات السابقة في الشرقية في استنتاج أن المظاهرة الآن تجوب شوارع حي فيلل الجامعة في طرقها إلى ميدان القومية ... واتضح أخيرا أنها في ميدان القومية إلا أن أعداد الموجودين فيي الميدان وفي الشوارع المطلة عليه كانت على الأقل خمسة أضعاف المعتاد في مظاهرات الثورة ضد انقلاب 3 يوليو الحزين... وشاهدت عميد كلية الطب البشري السابق أ.د عاطف رضوان، وهو الذي كسرت ساقه عندما اعتدى عليه أفراد الأمن المركزي أثناء مشاركته في التظاهر ضمن أحداث تزوير انتخابات مجلس الشعب 2005، وقابلت كذلك أكثر من أستاذ وأستاذة من زملائي بكلية طب الزقازيق... كان واضحا جدا أن طيف الحاضرين تغير عما سبقق مذابح فض الاعتصامات ... حالة الاستنفار كاملة لأغلب فئات الشعب... الإسلاميون لم يعودوا يتصدرون المشهد في المظاهرة الأكثر مما كان معتادا منهم في المظاهرات أثناء حكم مبارك القمعي بامتياز، رائحة البارود لم تكنن واضحة لي ولا رائحة الغاز المسيل للدموع ... لكن كانت أرض الشارع والأرصفة تشي بكثير من التراشق بالحجارة لا أدري مع من لأني لم أحضر أيا من تلك الاشتبكات ولم أسأل عنها فقد كنت مشغولا بمتابعة الهتاف ففيه حسبب رأيي كثير من الثواب ومن العلاج الذاتي لتقصيرنا الذي نشعر به في حق مصر.
المهم رأينا الجموع تتجه ناحية مستشفى جاويش ... ثم تتجه في الاتجاه المعاكس اتجاه مستشفى السلام ثم يطلب منك هذا أن تفتح طريقا للنساء، وآخر ينصحك بألا تقدم أكثر من هذا فهناك بلطجية ... ثم تجد مجموعة تندفع خلف أحدهم ثم يمسكون به وتعلو الصرخات والأصوات محذرة من ضرب الجاسوس أو المندس الذي أمسكوا به .... ثم إذا تابعت هذا مرة أو مرتين شعرت بأنك لا تفهم وأنك لابد تتوقف عن الهتاف وهو ما لم أكن أود الوقوع فيه! ... من المؤكد أن لديكم فضولا لمعرفة الهتافات التي كانت قلوب ثوار الزقازيق الأحرار وحناجرهم تهتف بها يوم جمعة الغضب في أعقاب مجازر فض الاعتصامات "الداخلية ... بلطجية" وأيضًا وهو هتاف جديد ومؤلم "الجيش ... والشرطة ... إيد وسخة!" ... المصريون في حالة ذهول مما حدث .. الدم أفقدهم صوابهم .... عنصر أهل الشهداء أضيف بامتياز إلى التظاهرات ... حمدت الله أن ادعاءاتهم أن من فقدوهم في الاعتصامات كانوا إرهابيين واجهوا فض الاعتصام بالرصاص فرد عليهم رجال السيسي الشرفاء بالرصاص كل هذ الافتراءات جاءت في صالح الثورة ضد الانقلاب فكل من استشهدوا مشهود لهم بأن لا صلة لهم بالإرهاب !
عندما شعرت بأن التظاهرة غير منظمة ولا قيادة محددة لها ولا تخطيط ولا خطة ... (وهذا الغياب للقيادة كان غالبا حال تظاهرات مصر طوال ثورة يناير 2011، إلا أن خطر ذلك الغياب هذه الأيام بدا أكبر)... قررت الذهاب إلى بيتي لمتابعة الجزيرة .... والفيس بوك لأتابع الموقف .... هذا جزء من العلاج النفسي الذاتي أيضًا للمقصرين في حق مصر.. الجهاد الفضائي والإليكتروني ... صحيح أنني نادرا ما تواصلت فضائيا بمزاجي لكنني أفعل ذلك جيدا ليس فقطط من خلال مجانين بل من خلال الفيس بوك رغم كثير غيرتي منه واعتراضي عليه ... لكنه طريق أضطر للسير فيه على الأقل أثناء الثورات !
في بدايات المساء رأيت أنها جمعة غضب مباركية بامتياز لأن الداخلية لم تتورع في طنطا ثم في الاسماعيلية عن المواجهة المباشرة مع معتصمين سلميين وبنفس عادة الشرطة المباركية تراها تتبلى أي ابتلاء على المعارضين لتبرر ما ستفعل فيهم، بدا واضحا أن حكاية استخدام الداخلية للرصاص الحي عند تهديد المنشآت ليست إلا إعلانا عن أنه سيتم استخدام الرصاص الحي وسوف نبرر استخدامه بالعدوان من جانب المتظاهرين .... ويعلم الله قدرر سعادتي واستبشاري حين رأيت أعداد المتظاهرين الغفيرة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال ومن الشرق الجنوبي في الغردقة إلى الغرب الشمالي في مطروح .... كل المحافظات خرجت بأعداد غفيرة ... الحمد لله عل يثوبب المتورطون لرشدهم حقنا للدماء.... لكن ما بدأ يتزايد الحديث عنه من سقوط شهداء وجرحى برصاص حي ... في أماكن متعددة من الجمهورية ثم ظهور الوحدة بين الجيش والبلطجية والشرطة وكأن البلطجة هي الرابط الأصلي... والولايات المتحدة الأمريكية بالمناسبة هي البلطجي الأول والأكبر على المستوى الدولي في العالم، ... ويبدو أن البلطجة هي الاسم الأنسب للسياسة الانقلابية في مصر، ثم للأسف بدأت الأحداث تتفاقم وأعداد القتلىى تتعاظم... حتى اختتم المشهد المسائي بمواطنين سلمين عزل محاصرين في مسجد الفتح برمسيس هم وطاقم المسجد البلطجية يحاصرون المسجد بمن فيه والشرطة تحرسهم والجيش ، وخارج المسجد حرب بالمدرعاتت على مواطنين سلميين لا ندري هل هم حاولوا الاعتصام في ميدان رمسيس أم هم حوصروا ... لكن العالم كله شاهدهم يضربون بالرصاص من الجيش وهم يقطرون سلمية على الشاشات !
هذه الجمعة كانت جمعة دم جديدة فيها أضيفت مجزرة رمسيس إلى مجاذر قديمة .... في أوائل ساعات صباح السبت وقبل أن أحاول النوم كتبت على صدر مجانين أقول: (... لن نخاف .......القاعد في بيته منذ اليوم جبان.... ومقصر في حق مصر ........لا يمكن أن نترك مصرنا لجماعات من اللصوص تعيث فيها فسادا.... القاعد في بيته منذ اليوم جبان......لن نخاف....) وكذلك في صفحاتي ومجانين على الفيس بوك وتويتر ... وهكذا أنجزت ما استطعت ثمم ذهبت أحاول النوم مقتنعا بأن جمعة الغضب ضد فض الاعتصامات بدت وكأنها من أيام مبارك ثم اكتشفنا أنها من أيام أسود من أيام الأخير بكثير!..... حقيقة فإن ما يحدث منذ اللحظات الأولى للانقلاب هو أسوأ من أيام المخلوع... ماا يحدث الآن إما أن يكون رجوعا لأسوأ من أيام المخلوع، أو هو منعطف فادح في تاريخ مصر بعد ثورة 25 يناير التي شارك فيها الإسلاميون بالعدد الأكبر من الضحايا.... يتلخص في التخلص من الإسلام السياسي ثم التأسيس لمصرر أخرى لا ندري هويتها على وجه التحديد... فمن الواضح أنه رغم الإعلان المستمر من طرف الانقلاب والعقلاء من مؤيديه بأن ما يحدث في مصر ليس إقصاء للإسلام ولا للإسلاميين ولا حتى للإخوان المسلمين .... إلا أن أكثرر الشواهد تشير إلى أن ضرورة الإقصاء التام وإلى الأبد للإسلام السياسي هي ما يضمره أكثر الانقلابيين بل هو الهدف الذي تجمعوا حوله جميعا، وإن لم يعلنوه!.. إلا ربما في الأيام الأخيرة منذ بدأت زفة مصر ضد الإرهاب ... وماا نزال في مفارقة أعجب من العجب نرصد أن كل الحوارات الإعلامية التي تجري بين مؤيد للانقلاب ومعارض له تظهر الإصرار على الترويج لفكرة أن من خرجوا في 30 يونيو كانوا يمثلون الشعب المصري كما وكيفا... وأن الذين خرجواا للاحتجاج على الانقلاب وما يزالون في الشارع لا يمثلون الشعب المصري بل هم فئة من الشعب !... هناك خطاب محموم بالإقصاء والفاشية المريضة ولا أحد يدري إلى أين يتجه الاضطراب الحالي بمصر.... لكننا بكل التأكيد نعيشش أياما أسوأ بمراحل من أيام المخلوع وليس فقط جمعة أسوأ من أيام المخلوع.
16/8/2013
واقرأ أيضًا: