كنت في زيارة أختي التي تتعافى بعد جراحة أجريت لها أتم الله شفاءها، ورأيت ابنتها الصغرى في سريرها تساعدها على الأكل، وكان أهم ما دار بيننا حديثٌ عن المعتقلين والشهداء وعن مسجد الفتح برمسيس، وعن رابعة وأهل رابعة... وبينما نتحاور قالت ابنة أختي عبارة لم أملك عيني بعدها وكادت تكون فضيحة! خالو يبكي يا ماما ! ... عبارات هذه البنت معي عن الأحداث -وهي تشي باختصار بموقفها في الأسبوع الثاني للانقلاب- كانت تقول: "لا يا خالو أنا لست مع الإخوان بل وتراهم يستأهلون لأنهم طمعوا في الحكم ..... لكنني أرفض أيضًا ما يجري لأنه فيه كثير افتراء وظلم ! لكن أحسن يمكن البلد تشد حيلها".... لا تنفعل هكذا يا خالي!.... اليوم أجرى دموعي أن قالت: أحلى ما سمعت في أهل رابعة العدوية ... قول د. عمرو حافظ دكتور المحاسبة : الشخص الذي لم يمت له شخص قريب منه هذه الأيام لم يعرف أحدا محترما في حياته وهو يقصد رابعة، .... كادت الدموع تفر من عينيّ... وفرت لكن داخل الجفون.
منذ اعتصام رابعة العدوية وما أشيع حوله من حكايا وقضايا وأنا أكتم في نفسي كلاما كثيرا لم أكتبه ولكن قلته، وقلت لا أفضل كتابته خاصة وأن هناك من ربما طلع علي من الناس يقول : معنى هذا أنك لا تحترم المرضى! وندخل في سين وجيم جوفاء ! لكنني كنت أقولها وكان بعض الناس يرد والله عندك حق، وبعض الناس يقول معقول يا دكتور فأقول هكذا قدر الله أن أرى وأن يكون موقفي..... باختصار كنت أقول: المحترمون من الناس هم الأقرب إلى رابعة من أي مكان آخر ... ودون أسماء ولا تفاصيل ولا أي شبهة تعميم فهذا أمر يخصني وحدي وأنا لا أفصل الأخلاق عن الطب النفسي في العلاج ....
بين مرضاي معتصمون و/أو أحد من ذويهم في رابعة ... وأيضًا بين مرضاي من هم من رواد التحرير سنة 2013 هم أو/و وذووهم .... ويؤسفني أن أقول أن أمراض أهل رابعة أو ذويهم تتعلق إما بوساوس في الأمور الدينية والعبادات أو باكتئاب أو قلق والسمة المشتركة بين كل هذا هي السعي للانضباط ... بينما أمراض معشر 30 يونيو هي اضطرابات الإدمان والجنس والعلاقات بين الشخصية والاضطرابات الأسرية وكل ما يجمع بينه الميل نحو الانفلات!.. الفرقق واضح في سمات الشخصية والسلوك والأفكار بين أهل رابعة أو الاعتصامات والتظاهرات المعارضة للانقلاب وأهل التحرير والتبرير والتفويض.....
تجنبت كثيرا كتابة القطعة السابقة لعدة أسباب أهمها يتعلق بشبهة الانحياز لنوعية من المرضى وضد نوعية أخرى .. وهذا قد يكون صحيحا في فهم أو تطبيق البعض لكنه بفضل الله في حالتي ليس كذلك ... لسبب بسيط هو أنني أستطيع التفريق بين السلوك ومن يقوم به كذلك بين تقييمي للسلوك وتقييمي للشخص الذي يقوم به خاصة في إطار علاجي نفسي دينامي ... المهم أن الوقت لم يكن يسمح بنقاش وجدال واختلاف أكثر مما نحن فيهه في المجتمع المصري، فآثرت ألا أكتب حتى كان ما كان هذه الليلة.
هذه الأيام يتبادل المحترمون وذوو النفوس النبيلة والأخلاق كلاما كثيرا عن الأحداث والأشخاص في مصر مختلفا عما يتناوله غيرهم ... فيبنما تسمع قصص الشهداء تسمع قصص الذين اعتقلوا .... وتشعر داخل نفسك بالضآلة أنك لست واحدا من هؤلاء ... وليس من الغريب أن تسمع عن حكايات الشهداء وآخر كلماتهم مع أبنائهم وكيف أن منهم من خرج في 30 يونيو لكن الدم ورؤية القتل بلا دم أنارت له طريق الحق فكان إلى الشهادة أقرب منك! وأنت ربماا من المؤيدين مسبقا، وربما اعتصمت كل الاعتصام لكن الشهادة أخطأتك واختارته هو.... مثلما تسمع كلاما عن المعتقلين وتفتح فمك من الدهشة كيف لم تنتبه إلى أن فلان أو فلانة محترم ومتدين إلى درجة أنه إن لم يكن فيي رابعة فسيكون في النهضة أو في رمسيس أو ... أو .... ! ثم تسمع آخر كلمة كانت بينه وبين ابنه أو ابنته! فتشعر كم أنت مقصر في ما تقدمه لمصر.
وبعض المحترمين من أهل 30 يونيو يسألك مستنكرا من قال أنها شهادة؟ إنه تمسكٌ بالكرسي ! للأسف هؤلاء نوعان أحدهما، اهتز للدم واحتاج تسكينا لم ينجح كثيرا، وهذا تشرح له فيفهمك، فتبين كيف أن من كان من المعتصمين في أو الذاهبين إلى رابعة أو المتظاهرين قد خرج دفاعا عن دينه فهو يموت شهيدا، وأغلب هؤلاء ما خرجوا إلا لأجل قناعتهم بأن ما يحدث هو هجمة على الدين الإسلامي أي أن الخروج ليس إلا لوجه الله وبالتالي فالموت استشهاد، أو هو خرج بعد فض الاعتصامات وأصبح من الخارجين على 30 يونيو بعد أن كان من مؤيديه، وأمثال هؤلاء كثيرون وهم يزيدون يوما بعد يوم... فيدركون الأمور على حقيقتها ويخلعون نظارة السيسي السوداء ويصبحون إما معك في الصف أو يبقون على الحياد وفي الطريق إليك في الصف، وأما النوع الثاني من الناس فيشمت في الدم وهذا لا فائدة على الأقل سريعة ترجى منه! وترى الناس من هذا الصنف الأخير يتناولون حكايا عن أفعال الإخوان وجرائمهم التي ينسبها لهم الإعلام الموجه دون أي دلائل موضوعية، وهم يستخدمون تلك الحكايا في تسكين ما بقي من حياة في ضمائرهم، وتقتنع بعد فترة قصيرة بأن إعلام هؤلاء يقول لهم ما يودون سماعه وهم لذلك لا يجهدون عقولهم في أي تفكير أو تفنيد لما يسمعون... فلا يعترضون على ما لا يصدقه طفل في السادسة من عمره !
أكتب هذه الكلمات ومذبحة جرت أو ما تزال تجري في سجن أبي زعبل!.. لم أعرف أكثر من أن أعداد من سلموا أرواحهم بلغت اثنان وخمسين .... وابني أبلغني تليفونيا بأنه سمع أنهم ماتوا أو يعني قتلوا اختناقا بالغاز ... قلت عندما نتكلكم عن سجناء يصبح التعبير الأصح هو قتلوا خنقا بالغاز..... لا حول ولا قوة إلا بالله!... الجرائم مكتملة الأركان يتكرر ويتجدد حدوثها يوميا ضد معارضي الانقلاب وبلا أي دم لا بارد ولا ساخن يستمر القتلة في القتل والسفاحون في سفك الدماء والكذابون في صناعة الإفك... لا حول ولا قوة إلا بالله!.
منذ محرقتي رابعة والنهضة وأنا في حالة من الذهول، ولم أكتب اليوم فأخرج هذه الزفرات المؤلمة إلا لأخبركم بالاختبار السهل لمعرفة مستوى من تعرفهم من الناس في هذه الحياة ... فكلما كانوا أقرب من رابعة أو ما واكبها وتلاها من المجازر والمحارق التي تجري في مصر كلما كان معارفك إلا الاحترام والانضباط أقرب، وصدقا وعن قناعة أكرر: (باستثناء كل المسيحين البسطاء فهؤلاء لهم عذرهم ولا يعرفون حقيقة المسلم المتدين تدينا داخليا، فخوفهم مبرر وغيابهم عن الاعتصامات والتظاهرات ربما مبرر) إن لم يكن أي من معارفك هنا أو هناك فيؤسفني إبلاغك أنك لم تعرف في حياتك أحدا من المحترمين !! حتى الآن على الأقل..!!
واقرأ أيضًا:
دور الشرطة المصرية في إفشال الانقلاب!/ الحالة النفسية للانقلابيين في مصر/ عودة الرئيس محمد مرسي!/ المقال الممنوع: جمعة أسوأ من أيام المخلوع!