العلاج المعرفي السلوكي لوسواس المرض المتصل
كيف يعمل العلاج النفسي المعرفي السلوكي؟
يقوم البناء العلاجي المعرفي للقلق عموما على مبدأ مفاده أن الناس يعانون من القلق لأنهم يقيمون المواقف والأوضاع بأنها أخطر مما هي عليه بالفعل، والعلاج النفسي المعرفي يساعد الشخص في الوصول إلى تفسيرات بديلة لمشكلاتهم، أقل تهديدا أو أكثر واقعية، ولكي يكون التفسير البديل مفيدا يجب أن يتماشى أو يتناسب مع التجارب السابقة للشخص، وأن ينجح عند اختبار الواقع بالتجارب السلوكية.
ينطلق المسار العلاجي في كل حالة وسواس مرض من وحسب الصياغة الخاصة بالمريض، ولكن بشكل عام تركز الجلسات الأولى على: جمع الأدلة على صحة النموذج المعرفي السلوكي لشرح الحالة، وترسيخ وجهة نظر أن القلق وليس المرض العضوي هو أساس الأعراض، فضلا عن شرح ومناقشة أسباب استمرار القلق والأعراض من خلال الدوران في حلقات الإدامة المفرغة للأعراض واختبار ذلك بالتجارب السلوكية. ثم في الجلسات التالية يبدأ المريض في إهمال احتياطات الأمان التي ظهرت في الصياغة الخاصة به، وصولا إلى قطع حلقات الإدامة. وعند الاقتراب من الجلسات الأخيرة تتم مناقشة وتعديل الافتراضات المعيقة الخاصة بالصحة والمرض وختاما يتم التدريب على منع الانتكاس.
الآلية المعرفية السلوكية لقلق المرض:
يخلق الخوف من وجود أو القناعة بوجود مرض جسدي خطير شعورا عميقا بالتهديد المستمر وضيقا شديدا، وينتج عن ذلك تركيز الاهتمام على الأحاسيس والأعراض الجسدية إلى حد أنه يتم الكشف عن عدد لا يحصى من الأحاسيس البدنية العادية أو غير الضارة، وتصبح مواضيع لسوء الفهم والتفكير الكارثي والانشغال والقلق، ويميل المرضى أيضا للانتباه الانتقائي، وإساءة التفسير، للمعلومات ذات الصلة بالصحة والمرض والتي تؤكد قناعاتهم أو تؤجج مخاوفهم، كذلك نراهم يميلون إلى إغفال أو استبعاد الأسباب غير الخطيرة أو الشائعة لأعراضهم الجسدية، أو التي تنافي قناعاتهم (Salkovskis et al., 2003).
۰ تشريح قلق الصحة ”رسمٌ مُعَرَّب من النت“
ولدينا إكلينيكيا نوعان من مرضى وسواس المرض هما الخائف والعارف، فأما الخائف فمريض يقول مشكلتي هي الخوف من أن أكون مصابا بمرض كذا ويطلب مساعدة المعالج في كيفية التخلص من خوفه أن يكون مصابا به، وأما العارف فهو مريض لديه قناعة بأن لديه مرضا ما جسديا وعادة لا يرى أهمية أو فائدة للعلاج النفسي، وليس خفيا أن هذان النوعان يختلفان تماما في طريقة الإدماج في العملية العلاجية ولكل منهما متطلباته.
النموذج المعرفي المبسط لاضطرابات وسواس المرض:
تبدأ الصياغة النموذجية لاضطرابات وسواس المرض بالمفجرات أو المحفزات للمشكلة والتي قد تكون أحداثا أو مواقف أو معلومات أو أعراض تنشط الافتراضات القديمة المتعلقة بالمرض أو القابلية له كما سنرى، ومنها (Salkovskis et al., 2003):
1- الأحاسيس الجسدية غير المعتادة
2- الاستماع إلى تفاصيل مرض صديق من نفس العمر
3- الاستماع إلى معلومات جديدة حول مرض ما
4- ويضاف إلى ذلك الأحاسيس الجسدية التي ربما لوحظت نتيجة لزيادة اليقظة الناشئة عن القلق
ويتأثر تقييم الشخص لقدر الخطر المحدق به نتيجة لتلك المفجرات بعوامل عديدة يمكن جمعها في معادلة القلق كما يلي:
التكلفة المدركة للمرضِ × الاحتمالية المدركة للمرضِ
القلق = ---------------------------------------------------------
القدرة المدركة على المجابهة × القدر المدرك من المساعدة المتاحة
مثلا:
ربما لدي روماتويد × سأنتهي إلى عاجز مقعد، وأصبح عبئا على من أحبهم، ولن أحقق أحلامي
----------------------------------------------------------------------------------------------------
سأنهار تماما ويكون على عائلتي رعايتي + أي شيء يفعله الأطباء سيجعل الأمور فقط أكثر سوءا
ويعني هذا أننا لتَقليل القلق نَحتاجُ إلى (Salkovskis et al., 2003):
- تخفّيضُ إدراك الاحتمالِية والتكلفةِ.
- زيادة إدراك القدرةِ على المجابهة وتوفرِ المساعدةِ.
وتنتج عن إدراك الخطر ردود فعل تلقائية وأخرى استراتيجية فأما ردود الفعل التلقائية فهي تغير المزاج قلقا واكتئابا بما يؤثر ويتأثر بالعوامل المتفاعلة عبر معادلة القلق وكذلك ردود فعل القلق الجسدية الفسيولوجية التي تنتج عن استشعار الخطر والتي بدورها تؤثر وتتأثر في نفس العوامل المتفاعلة عبر معادلة القلق فضلا عن إمكانية أن يصبح بعض أو كل هذه التغيرات الجسدية أعراضا تنشط الافتراضات القديمة ذات العلاقة في نفس المريض.
وأما ردود الفعل الاستراتيجة فتتمثل في احتياطات التأمين والتحاشي والتي أيضًا يؤدي اللجوء لها إلى عدة مشكلات أهمها منع نفي القناعات الخاطئة، وتثبيت قناعات الخوف حيث تمنع نفي القناعات الخاطئة بأن المريض لن يكون قادرا على المواجهة أو الأداء عند التعرض لما يثير مخاوفه، وبالتالي تتسبب احتياطات الأمان في عدم إحداث الاعتياد Habituation المتوقع على المثير والهبوط المنشود في القلق وفي المحصلة يستنتج العميل أن البرنامج العلاجي غير مفيد بينما الحقيقة أنه لم يحسن تجريبه أصلا!، وإضافة لذلك تقلل جدا تلك السلوكيات من فائدة التعرض للمثير، كما تمثل هذه السلوكيات جزءًا مهما مكملا لحلقات الإدامة (Salkovskis et al., 2003).
فإذا أخذنا مثالا لمريض تتمحور مخاوفه حول كونه مصابا بالإيدز حين يتخذ احتياط تأمين بأن يرتدي ملابس ثقيلة جدا في وأوائل الخريف خوفا من الإصابة بالبرد رغم كونه في مكان مغلق فتكون التيجة أن يتفصد جبينه عرقا وهو ما يعني له أنه فعلا قد أصيب بالبرد وهذه أولى علاماته فيصبح العرق مفجرا جديدا يمر عبر معادلة القلق ومؤديا إلى استجابة الخطر الجسدية والمزيد من الخوف والقلق وربما العرق وهلم جرا!
النموذج المعرفي لقلق الصحة
وكما يبين النموذج في الشكل المقابل لحالة اضطراب قلق المرض فإنه بمجرد التقاء المحفز مع الخلفية المعرفية المناسبة والذي يؤدي إلى إدراك الخطر فإن الخشية والتخوف تضمن استمرار الإثارة الفسيولوجية وزيادة التركيز على الجسد والانتباه الانتقائي كردود فعل تلقائية إضافة إلى تلك الاستراتيجية كالتدقيق والتحقق وطلب الطمأنة والتي تفشل جميعا في تهدئة القلق والانشغال بتلك التغيرات الحادثة في الجسد والتي تفسر كعلامات على وجود المرض الخطير ولهذا نفس تأثير الخطر المدرك والذي يضاعف الخشية والتخوف وهلم جرا.
ويجب قبل أن يبدأ العلاج المعرفي السلوكي لحالات وسواس المرض من إجراء التقييم الكامل والمعين للحالة، والوصول إلى اتفاق بخصوص المشاكل الرئيسة المستهدفة، وإلى الصياغة الفهم المشترك لآلية حدوث واستمرار القلق ودائما ينظر للصياغة باعتبارها تفسيرا بديلا أقل تهديدا للشخص، أي أن العنصر الرئيسي في العلاج هو إعادة العزو Reattribution بناء على أن أفضل وسيلة لخفض الاعتقاد في قناعة مهددة ولا يمكن دحضها هي بناء الاعتقاد في وجود تفسير بديل، التفسير البديل لا يجب أن يكون متوافقا تماما مع القناعة المهددة، في البداية، بل إن عدم التوافق الجزئي يساعد على الأرجح (لماذا؟)، ويجب أن يشجع المرضى لإظهار أي جوانب من معاناتههم لا تتفق مع الصياغة، أو العزو الجديد، هذا النوع من إعادة العزو يؤتي أفضل ثماره إذا شعر المريض بأن مشكلته فهمت. ولذلك من الأفضل أن نهدف إلى فهم مشترك للمشكلة للوصول إلى صياغة متفق عليها.
ولأجل ذلك تستخدم تقنيات النقاش بقصد مساعدة الشخص على فهم النظرية البديلة، كما يتم اللجوء إلى التجارب السلوكية لمساعدة المرضى على جمع معلومات جديدة تساعدهم على فهم أعمق للنظرية البديلة.
وأخيرا نذكر أن من المفيد إشراك الآخرين من ذوي المريض في العلاج خاصة لمناجزة طلب الطمأنة، ومن المفيد أن يتم تسجيل الجلسات صوتيا على الأقل، حيث يسهل ذلك الاستيعاب على المريض، ورغم ذلك ليس استبعاد الأسباب العضوية للأعراض شرطا ليبدأ العلاج المعرفي السلوكي، إلا أنه يجب ألا تبدأ العملية العلاجية في أوج عرض أو شك جديد في مرض معين يجاهد المريض لإثباته أو نفيه!
المراجع الأجنبية:
- Salkovskis P.M, Warwick H. M. C. and Deale A (2003): Cognitive-Behavioral Treatment for Severe and Persistent Health Anxiety (Hypochondriasis). Brief Treatment and Crisis Intervention 3:353–367 (2003)
يتبع>>>>>>>>>>>: ع.س.م لوسواس المرض من التقييم للمؤالفة