أحد الأخوة المهتمين بالثقافة والفكر ومن أصحاب القلم، أرسل لي مقالا، يقول بأنه يستحق القراءة والتفكير.
وقد سطّر كاتبه حوادث تأريخية موجعة وجمعها ليستنتج بأننا أمة بمواصفات سيئة، وما جمعه لا يتعدى العشرة حوادث على مر القرون الأربعة عشر الماضية، وأكثرها تتركز في فترة أو فترتين صعبتين من حياة العرب.
فقلت للأخ الذي أرسل المقال: إنّه من المقالات السلبية التي مضى العرب عليها على مدى القرن العشرين ولا يزالون، وخلاصتها أنها تريد القول بأن تأريخ الدنيا أبيض وتأريخنا ملون بالمآثم.
فأجابني: أنا أتفق معك، وقد كتبت مقالات كثيرة بهذا الخصوص، لكن ما جاء بالمقال صحيح تماما!!
الموضوع ليس أنه صحيح أو لا، وإنما في هذه الانتقائية والآلية التي جعلتنا لا نرى في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا إلا ما هو سيئ.
وبتوالي تراكمات هذه النظرة، صرنا لا نعرف الكتابة إلا بهذا الأسلوب السلبي، المُحبط لأية قدرة وطاقة وإرادة للنهوض والتفاعل مع الحياة.
فتأريخ الأمم والشعوب يزدحم بالأحداث القاسية المؤلمة، ولا توجد أمة لا يوجد في تأريخها ما هو أقسى، وأفظع مما في تأريخنا، لكنهم لا ينصفدون باللحظات المريرة الصعبة، وإنما يتعلمون منها ويتجاوزونها، ويبتكرون وسائل وأساليب عدم تكرارها، والانطلاق منها نحو الأفضل.
فتأريخ أوربا وأمريكا والصين واليابان وروسيا والهند وغيرها الكثير من الأمم والشعوب، ليس أفضل من تأريخنا، ولم يكن يوما خاليا من المآثم والخطايا والفظائع، لكن تلك المجتمعات تعلمت كيفيات تجاوز الكثير من المعوقات، والقيود والتحديات والتفاعلات، التي تمنعها من التواصل مع زمنها ووعي عصرها، وإطلاق إرادتها الإنسانية والفكرية والثقافية والعلمية.
وأبقى أتساءل لماذا نستحضر السيئات أمامنا دائما ولا نستحضر الطيبات؟
والجواب، ربما لأننا أذعنا للانكسارات، وأصابتنا الكآبة الحضارية، التي أوجبت علينا استحضار ما يعززها، فالإنسان الكئيب يتذكر ما هو سلبي وسيئ لتبرير كآبته وتقويتها، وتلك مأساتنا الحقيقة!!
وهذا يعني أن العيب في آليات تفكيرنا السلبية وليس في تأريخنا!!
واقرأ أيضاً:
الحرب العالمية العارمة!! / التفاعل والاتفاق!! / "يا أمة نهلت من علمها الأمم"!! / طه حسين الروح التي أثمرت!!