طه حسين (عميد الأدب العربي)، الذي ولد في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني عام 1889، وتوفي يوم الأحد في الثامن والعشرين من شهر تشرين أول 1973، إنسان عربي، فقد بصره في سن مبكرة، لكنه لم يفقد عزمه وإرادته وإصراره على النجاح والتأثير وتحقيق رسالته الثقافية والمعرفية المنيرة.
فاخترق جدران الفقر وهدم أسوار الفاقة، وتحدى المعوقات والإحباطات، وشق طريقه نحو الأزهر، وبرع فيه، ودرس في السوربون وتعلم الفرنسية، وأعجبت به الفتاة الفرنسية، التي صارت فيما بعد زوجته ورفيقة عمره وعيونه التي يرى فيها ويقرأ.
هذا الإنسان رفع مشعل الثقافة والتعليم، وأدرك أن العمى الحقيقي هو فقدان القدرة على القراءة والكتابة، وعدم المعرفة، ولهذا جاهد في أن تكون المعرفة كالماء والهواء، من ضرورات الحياة الأساسية اللازمة للتقدم والرقاء. وكم دعى الكُتّاب للثقافة الواسعة والتعمق والتفكير، لكي يساهموا في صناعة الواقع الثقافي الحضاري الواعد المعطاء، وكان ينكر عليهم التسطح والتسرع وعدم القراءة، ويحثهم على التثقيف الذاتي والبحث والاستقصاء والإطلاع المتواصل.
ولأفكاره تأثير متميز في مسيرة العقل المصري، وثقافة الإنسان في المجتمع العربي بأكمله، فهو الأديب المفكر، الذي أغنى السياسة برؤاه المنيرة. ومنذ أول ما كتب، أخذت أفكاره تثير الجدل وتلهب التساؤلات، وتستنهض العقل، وكانت ذروة عطاءاته في رسالته للدكتوراه، عن مقدمة ابن خلدون، وبعدها كتبه الأخرى ومقالاته، التي فتحت آفاقا جديدة أمام العقل والفكر العربي.
وكان أول مصري يتولى عمادة كلية الآداب، كما تقلد وزارة المعارف وأضاف إليها مشاعل فكرية وثقافية لا تزال تنير دروب الأجيال، وترقى بالعربية إلى آفاق المعاصرة والروعة والإبداع الأصيل. وله دور كبير في ثقافات الأجيال، وكم أمضينا الأوقات مع كتبه، الأيام، وحديث الأربعاء، وفي الشعر الجاهلي، والفتنة الكبرى، وغيرها من كتبه التي تعلم اللغة العربية السليمة، وتمنح الذوق لمسات نحوية وإعرابية، ليكون جزيلا وصحيحا وتاما.
وبعد أربعين عام على وفاته، من الواجب أن نتذكر (طه حسين) ونتأمل إسهاماته الحضارية، ونتعلم منه آليات التحدي والتواصل والنبوغ. فهو مدرسة صيرورة، وخارطة انطلاق في كل العصور.
واقرأ أيضاً:
التفاعل والاتفاق!! / "يا أمة نهلت من علمها الأمم"!! / مَنطِق اللا مَنطِق !! / سلوك الشكر!!