هل يحق لأبناء الدول التي تمتلك كل شيء ولا تأتي بشيء، أن يكتبوا عن زعيم وطني إنساني كالمناضل (نلسن ماندلا) الذي قدم إنموذجا وأدى دورا، ستتواصل على هديه الأجيال في بلاده، التي تحررت من نظامها العنصري، وأسست بفضله نظامها الديمقراطي بوقت قياسي لم يسبقها إليه أحد.
يبدو أننا لسنا بالمستوى الفكري والثقافي والنفسي والروحي والوطني والحضاري، الذي يؤهلنا أن نكتب عن الإنسان الذي غادر عالمنا عن عمر يناهز الخامسة والتسعين، وأعلن نبأ وفاته رئيس جمهورية بلاده، وشارك في نعيه جميع قادة الدنيا ورؤساء منظماتها وتجمعاتها من أجل السلام والحرية.
نحن لسنا بذلك المستوى، لأننا لا نمتلك مَن يمثل نسبة ضئيلة من خصال الزعيم (ماندلا)، ولا مَن يستطيع أن يقدم النموذج الوطني الكفيل بسعادة أبناء الشعب.
نحن مجتمعات يتيمة مقهورة، تعيش في ملاجئ الأيتام المعاصرة، التي تؤهلها القوى التي ترعاها وفقا لما تقتضيه مصالحها.
ومَن يدعي بأننا مجتمعات حرة وذات إرادة، فأنه مصاب بالهذيان!!
المجتمعات الحرة الإرادة بحاجة إلى قادة مؤهلين للحرية بفكرهم وروحهم وسلوكهم، ليقدموا النموذج ويؤكدوا الدور، وهذا مفقود في مجتمعاتنا.
فالزعيم (ماندلا) تحدى، وأمضى أكثر من ربع قرن في السجون، لكنه انتصر بمبادئه وأخلاقه الإنسانية الرفيعة، التي أهلته للتحول إلى قوة روحية وطاقة حضارية، أذعن لإرادتها الذين كانوا يضطهدونه ويسومنه وشعبه أقسى الشدائد والويلات.
وعندما خرج منتصرا من سجنه، وتسنم قيادة بلاده، لم يتصرف كإنسان عادي، وبرغم ضغط الذين من حوله، أعلن أنه يريد بناء وطن وإطلاق طاقات شعب، فما انتقم أو عادى أو ظلم مَن ظلمه، وإنما سار في طريق الوحدة والمحبة والأخوة الوطنية، وطهّر العقول والنفوس والقلوب من أوذان الأحقاد والكراهية والمشاعر السلبية!
فعل ذلك في غضون أربعة سنوات، وعندما تيقن بأن القطار الوطني يمضي على سكة المحبة والألفة والعمل المشترك، ترجل عن القيادة وأعطى الراية للشعب الذي عليه أن يختار غيره، وبرغم المطالب الشعبية، لكنه أصر على أن يكون غيره هو الرئيس، وكان من الممكن أن يكون رئيسا للبلاد إلى الأبد.
فكانت دولة جنوب أفريقيا، ذات قيمة معاصرة ودور مؤثر في حياة الشعوب، وقد حققت إنجازات حضارية كبيرة في أقل من عقدين، بتضافر أبناء البلاد أجمعين.
تلك هي أخلاق قادة المجتمعات التي تريد أن تبني أوطانها، وتنطلق في مسيرة الحياة بعزة وكرامة وكبرياء، وبأخلاقيات ومُثل متوهجة في دروب الأيام. فلماذا لا نمتلك إنسانا واحدا فقط يعلمنا الأخلاق الوطنية والحضارية، ونحن نجلس على تراث أغنى من تراث البشرية جمعاء؟
ألا تساءل المدّعون بالقيادة والسياسة؟!
فالمجتمعات من صنع قادتها، وأنّى يكون القادة تكون المجتمعات، لأنها مرآة سلوكهم لا غير؟!!
واقرأ أيضاً:
اعرف طريقك!! / العيوب والشعوب!! / تأجيل وتعجيل؟!! / تعريف اللاتعريف!!