"وهلْ يَصحُ في الأفهامِ شيء... إذا احْتاجَ النهارُ إلى دليل"، و"كلكمْ راعٍ ومسؤول عن رعيته"
التأريخ العربي الإسلامي ثري بمبادئ وأسس الحكم الرشيد، وفيه منطلقات ومواد دستورية وشرعية، منبعثة من أعماق التجربة الإنسانية المتكررة والمتطورة والمتفاعلة مع زمنها. ومع ثراء الإرث الحضاري، ترانا وعلى مدى أكثر من قرن، نقف عاجزين عن الوصول إلى نظام سياسي معاصر، يحررنا من استنزاف الطاقات والصراعات، ويجعلنا نجتهد في صناعة وجودنا الوطني والإنساني اللائق بنا.
ولا يزال ناعور الإخفاقات والتداعيات يدور، ولا يسكب إلا الأفكار السلبية والتفاعلات البدائية، المنقطعة عن واقعها وزمانها، والتي لا تعرف الكلام إلا بمفردات طالحة.
ويتعجب مَن، يتأمل وجودنا المتهالك، وضعفنا المتفاقم، وفشلنا المتراكم، فنحن كأمة ومجتمع، قد أخفقنا بالتجربة والبرهان في الوصول إلى عقد اجتماعي حضاري ننظم به سلوكنا، كأبناء في وطن وضمن نظام سياسي يوفر لنا جميعا، فرصة التفاعل اللازم لتحقيق مصالحنا الوطنية المشتركة.
وأينما تولي وجهك فثمة، مأساة، وعجز، ودمار وخراب، وأزمة، يستثمر فيها العاجزون عن الوصول إلى منطلقات وطنية مشتركة، لبناء النظام السياسي المستقر المُعَزز بإضافات الأجيال المتعاقبة.
ومن أهم أسباب هذا الفشل المزمن والمتقيّح، غياب دور المُفكرين والمثقفين، واستحواذ غيرهم على مقاليد التأثير في مجتمعاتنا، التي أمضت أكثر من نصف القرن العشرين، تحت إمرة انقلابات تنتج أفرادا مستبدين، ومتحكمين بمصير البلاد والعباد.
وبعد التجارب الديمقراطية التي حصلت، لا يزال المجتمع، في محنة العجز الحضاري، والفشل المتواصل المقرون بالأزمات المتصاعدة، دون القدرة على الخروج من شرنقة الانفعالية والفئوية والتحزبية والفردية، والوصول إلى رؤية وطنية إنسانية جامعة ومحققة لطموحات أبناء المجتمع.
ويبدو أن هذا المأزق سيتواصل على مدى عقود القرن الحادي والعشرين، إذ لا توجد بوادر تشير إلى تحولات نوعية في الرؤية والتصور والسلوك السياسي، وإنما الجميع يدور في الدائرة المفرغة التي عهدها القرن المنصرم، ويكرر نفس الأخطاء والممارسات، ويساهم في صناعة ذات الأحداث والتداعيات.
وتلك مصيبة قاسية، وحفرة هلاك مروعة، لايمكن لأي مجتمع أن يتحقق، إذا بقي مركونا في قاعها، والطامعين فيه، يسكبون عليه ما يجمعونه من الأفكار الآسنة المتعفنة ليزيدوه اختناقا وظلامية، حتى يفقد رؤيته، ويكون أعمى، تقوده قدرات مدربة تأخذه إلى حيث يُراد له أن يُؤخذ وينتهي.
ومن الغريب أن التساؤلات عندما تجد لها جوابا، تواجَه بمواقف لا يمكنها أن تحقق ما يجب أن يكون، لأن الحالة قد تحولت إلى صيرورة تدمير ذاتي وموضوعي، وأية خطوة إيجابية إنما تحسب على أنها ذات مردودات أخرى، وغايات خفية ذات أجندات مهولة المعايير.
وفي هذا تقييد، وتحجيم، وأسر واستعباد وامتلاك، ومنع للقيام بأي فعل إيجابي مفيد.
وهذه المجتمعات المرهونة بالأزمات، لابد لها أن تسعى إلى إنشاء مجالس شورى من المفكرين والعلماء والباحثين الذين عليهم أن يتصدوا للمعضلات، بوعي علمي ومهني وبحثي يستحضر جميع الاحتمالات والنتائج، ويقيّم التوصيات بتبصر ونزاهة وصدق وأمانة، وإلا فإن المأزق الذي تعيشه سيزداد اضطراما واضطرابا وسلبية وخسرانا!!
واقرأ أيضاً:
تعريف اللاتعريف!! / الصفر يا أمة الصفر!! / السياسة هوايتنا!! / الديمقراطية بين التفاضل والتكامل!!