هذه البندقية الأوتوماتيكية التي قتلت الملايين على مدى أكثر من نصف قرن، ابتكرها الروسي ميخائيل كلاشنكوف الذي توفى قبل أيام في عمر الرابعة والتسعين، وحال إنطلاقها تحققت ثورة تقنية في صناعة البنادق التي تقذف الرصاص بسرعات متزايدة، حتى لربما فاقت سرعة الصوت حاليا، لدرجة أصبحت الأسواق تعج بالبنادق الأوتوماتيكية التي تطلق مئات الإطلاقات في الدقيقة الواحدة، بل والعشرات في اللحظة الواحدة، مما يتسبب في إصابات متعددة وبسرعة خاطفة.
ولا يُعرف كيف يفكر الذين يبتكرون آلات لقتل البشر، وماذا يدور في خيالهم عندما يستهلكون أعمارهم في مشاريع كهذه. فما تقتله الأسلحة الأوتوماتيكية وغيرها الأكثر دمارا منها، يفوق آلاف المرات ما يتمكن الطب من شفائه وعلاجه!!
بل أن غرف العمليات والطوارئ في الدنيا تزدحم بضحاياها وما تسببه من جروح خطيرة، وإعاقات مروعة، وأن نسبة المعوقين من البشر ازدادت كثيرا جدا بعد هذه المخترعات الفتاكة.
ربما كان الإختراع إنجازا وطنيا في حينه، ورغبة في الدفاع عن الوطن بقتل أكثر ما يمكن من أعدائه المهاجمين، كما حصل في معركة ستالينغراد. لكن الحقيقة المرّة أن البشر تتوطنه نوازع عدوانية تدفعه للقتل، والإمعان بامتلاك آلاته وقدراته ومهاراته. فالبشرية ومنذ ملايين السنين قد تدربت وبتواصل على كيفيات القتال، ومنذ بدء الحياة تحقق القتل ما بين أبناء حواء وآدم حسب ما مدوّن في الكتب بأنواعها.
وهذا يعني أن طاقة القتل وقوته وتواصله فاعلة في الأعماق البشرية، ومتأصلة في الحوامض الأمينية، ويحتاج البشر لملايين أخرى من السنين لكي تتطهر جيناته من موروثات القتل، ولهذا فإن السلام والأمن والأمان حالة غير منظورة وغير مأمولة، لأنه ليس القاعدة وإنما الشذوذ عن تيار الوجود البشري المتقاتل الأمواج.
ولربما عبّر مخترعو الأسلحة الفتاكة السريعة القتل، عن هذه الرغبة الكامنة في أعماق البشر، ولا يختلفون عن الذين ابتكروا الأقواس والسهام والرماح والسيوف، إلا أن آلاتهم المبتكرة تقتل أكثر وبسرعة قياسية، وهذا يتناسب مع زيادة عدد البشر. فمبتكرات القتل تتناسب سرعتها وكفاءتها طرديا مع الكثافة السكانية، وهذا أمر خطير لكنه وكأنه يحافظ على الالتزام بقانون توازن خفي يتحكم بالحياة الأرضية!
ومصيبة البشرية المعاصرة أن الأفكار تحولت إلى بنادق أوتوماتيكية الفتك بالناس أجمعين، عبر وسائل الإعلام والأقلام، التي تقذف إطلاقاتها ونيرانها وصواريخها الجرثومية والبايولوجية والنووية لقتل العقل البشري، وتحويل الناس إلى دمى تحركها وتحكمها بإمبراطورياتها الإعلامية المتسيّدة على أرض الله التي ما عادت واسعة!!
واقرأ أيضاً:
لا يصح إلا الصحيح!! / الديمقراطية بين التفاضل والتكامل!! / أهداف تتحقق بلا خسائر!! / ليكن عام محبة!!