وُلِدَ السلام والنور المُدام في أرض المحبة والألفة والسلام، وبزغ الروح الطاهر المتوهج في قلب الآماد، في أحضان العذراء البتول، التي بشّرها الله بقدومه، على لسان ملائكته ورسله الأنوار. وعندما جاءها المخاض، التجأت إلى جذع نخلةٍ مباركة، أذعنت لأرادة الوليد المشرق، واستسلمت وخشعت، وراحت تهتز فتساقط رطبا شهيا، مع لمسات الأمّ التي وضعت وليدها الخالد السناء. فعاش سِفرا للتسامح والنقاء وجوهرا إنسانيا رائقا، وكلّم الناس في المهد صبيا، وأشفى الأعمى والأبرص، وانتصر على الموت بلمسات الرحمة والأمل والرجاء.
إنه المسيح عيسى ابن مريم، شلال الأنوار الكونية، ومجد الذات القدسية، وصدى النداءات العلوية، المشيّد لجسور الوئام ما بين مدن الأكوان.
الوهج الباهر، والنداء الباصر، المتدفق بآيات الإنسانية المنسكبة في أعماق أجيال البشرية.
السعادة الكبرى والفرح الأعظم، صاحب النور الرحيم، الذي أشرق وضّاءً لا يعرف الغروب، فهو النهار الدائب والمنير الثاقب، ومبّصر العيون والقلوب والمَدارك، ومُخرج النفس من متاريس الأنانية والبغضاء، ومُرشدها إلى كلية الانتماء والجلاء.
عَبق العروش وصدى الملكوت، السامق المرفوع إلى حيث يرتفع الأنقياء الأطهار، ورجاء القلوب المناجية الساعية إلى جنان الأمن والألفة والبهاء.
الأمل الأزهى الذي ينثر في ربوع الدنيا بذور الصفاء.
المبشر بالسلام والمعبّر عن أسراره السامية ومعانيه العالية، فهو حقيقة جوهرية ذات قيمة إنسانية مطلقة.
والسلام يجعل الميلاد حقيقة تتجدد، وانطلاقا إلى آفاق كونية فياضة، متهادية في آفاق الأعماق التواقة للإشراق الإنساني الجميل.
وبميلاده ولد السلام العميم المقيم، الذي يدعونا للابتعاد عن المنفعة الذاتية والتقوقع والأسر في المصالح الضيقة الخانقة.
وفي يوم السلام وأعراسه واحتفالاته، تجدنا نغرق في أنانياتنا وتحزبياتنا وفئوياتنا، ونتجرد من إنسانيتنا، ونمعن في بشريتنا التي قطعنا رأسها بمدية أمّارة السوء التي فينا، فسحقنا باءها حتى لوجدتنا نسعى بلا رأس يهدينا إلى الخير والاستقامة والسلوك الفاضل العفيف.
فتنزه الناس عن الخير، وأترعوا نفوسهم بما يتصل بالشر، فأصبحوا أعداءً للسلام، وبإسم أسمى معاني وقيم السماء النبيلة السمحاء.
ووجدتنا نعيش غربتنا النفسية والأخلاقية والروحية والفكرية، ونمشي في دروب المعصية والنكران. فالقطيعة ما بيننا والسماء القاسية، وعلينا الارتقاء بوجودنا الإنساني إلى آفاق الأنوار الروحية والسمو الأخلاقي المجيد الصافي النزيه، ونتمسك بأصول ومعاني الغفران.
فكيف بنا ونحن نتكلم عن السلام بأبجديات السلاح وأصوات الحرب، فنقتل الأبرياء، أطفالا ونساءً وشيوخا، ونهدم المدارس والبيوت، ونلقي ببراميل كراهيتنا على الآمنين، ونسوّغ الدمار والخراب وتنمية أسباب التعاسة والبؤس والحرمان.
سلام تتناثر أشلاءه، وإعلام بلا أخلاق سليمة، يحتشد بأمَارات العنف والبغضاء، حتى لضاعت الحقائق، وسادت الأكاذيب والمظاهر المخادعة المغررة الفتاكة السوداء.
و"المجد لله في العُلى وعلى الأرض السلام".
والله هو السلام والمحبة والرحمة والإخلاص.
تحية لصوت الحق ووهج الرحمة والرأفة والانطلاق إلى أفق الأبد.
فهل سيولد السلام الحقيقي في يوم السلام وأرضه وعصره؟
وهل مِن بُشرى بالسلام والرحمة والأمن والأمان؟
وهل نؤمن أم لا نؤمن بالسلام؟
وهل ستتنعم قلوبنا بفرح المحبة وطعم الأخوة وصدق الانتماء لله؟
وعلى الأرض السلام، فهل سنقرأ عليها السلام؟!!
يا ألله، يا رب السلام، والرجاء الصالح للبشر!!
تساؤلات في زمنٍ معفّر بالآثام!!
وتحية سامية زكية خالصة للسيد المسيح نبع المحبة والانسجام في يوم ميلاد السلام.
وأجمل التهاني والتبريكات للأخوة والأحبة والأصدقاء بعيدهم البهيج السعيد المجيد.
واقرأ أيضاً:
أهداف تتحقق بلا خسائر!! / بندقية كلاشنكوف!! / ليكن عام محبة!! / الميزان!!