الأنظمة السياسية أوعية الشعوب، وأي نظام يمكنه أن يتحول إلى وعاء للناس في أي مجتمع، ذلك أن المجتمعات البشرية حالة سائلة تأخذ شكل الوعاء الذي تكون فيه، ولا يشذ عن ذلك أي مجتمع في الدنيا. والفرق أن هناك أوعية صالحة وأخرى طالحة، والمجتمعات المنكوبة هي التي تجد نفسها في أوعية طالحة، والسعيدة تكون في أوعية صالحة.
والمجتمعات المتقدمة استطاعت أن تصنع أوعيتها اللازمة للتفاعل الحضاري وإطلاق الطاقات الإنسانية الإيجابية، فتجد الناس من جميع أبناء الدنيا يتحققون في أوعيتها ويساهمون في إثراء الوجود وتأكيد الاقتدار والنماء والرخاء.
والمجتمعات المتأخرة تصنع أوعية معيوبة، ومهشمة، لا تستطيع أن تحوي ما فيها من الناس، وبسبب عدم صلاحيتها فأنها تصيب الذين فيها باضطرابات شديدة، تحطم الوعاء، فينسكب ما فيه في يباب الضياع والخسران.
وفي واقع الأمر، أن المجتمعات المتأخرة، بلا أوعية وإنما هي موجودات منسكبة كإنسكاب أي سائل في رمال الوجود. وبغياب الوعاء الجامع الماسك للناس، تتدخل العديد من القوى بأوعيتها، فتجمع ما تجمعه منهم فيها، وتحاول أن تجعلهم يؤدون أغراضها، ولهذا تتكاثر الأوعية ذات التطلعات التفتيتية التدميرية فيصاب الجميع بالخيبات المتواصلة.
ولا يمكن لمجتمع أن يكون إذا فقد القدرة على صناعة وعائه وابتكار آليات التفاعل الصالحة فيه، لتأكيد الدور والتطلع والمساهمة الإنسانية الظافرة في ميادين الوجود الأفضل. فالمكونات الحية بحاجة لوعاء سليم تنطهي فيه وتنضج، لكي تقدم طبقها الحضاري الشهي الذي تنجذب إليه الطاقات والقدرات التي تسعى للتوهج والتألق الفياض.
فلتحرص المجتمعات على سلامة وعائها الجامع لكي تكون!!
واقرأ أيضاً:
وعلى الأرض السلام!! / الميزان!! / الاختناق العربي!! / الديمقراطي الأعوج!!