على الرغم من الاحتفاليات الضخمة التي سبقت وواكبت وتبعت الاستفتاء على الدستور، وعلى الرغم من النتيجة الكبيرة بنعم (97.7%) حسب التقديرات الأولية، إلا أن شريحة المشاركين في الاستفتاء كانت تمثل في غالبيتها كبار السن والنساء (المتأثرين بالرسالة الإعلامية الحاشدة والمفزوعين من خطر الإخوان والمنبهرين بكاريزما الفريق السيسي)، في حين غاب جيل الشباب بشكل لفت أنظار المراقبين والمحللين.
ولم يكن هذا مفاجئا بل كانت كل الملاحظات ترصد عزوف الشباب عن المشاركة فيما يجري من أحداث على الرغم من فاعليتهم في 25 يناير و30 يونيو. ومن يعمل وسط مجموعات شبابية يلحظ حالة من اعتلال المزاج لديهم في الفترة الأخيرة ليس فقط شباب 25 يناير بل حتى من تحمسوا وشاركوا في صنع 30 يونيو أصابهم هذا الاعتلال والذي تحول إلى حالة من الإحباط لدى قطاعات منهم وتحول إلى غضب ما زال مكتوما لدى قطاعات أخرى، وفريق ثالث عبر عن غضبه بالمشاركة في فعاليات للإخوان على الرغم من الاختلاف الأيديولوجي الصارخ بينه وبينهم، إلا أنه في لحظة بعينها لم يجد بدا من المشاركة فيما هو متاح للتعبير عن غضبه ورفضه.
وفيما يلي نحاول أن نرى بعض الأسباب وراء تراكم الغضب الشبابي في هذه المرحلة الحساسة التي تسبق الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير:
1 – الهجوم الحاد من كثير من المنابر الإعلامية على ثورة 25 يناير ووصفها بأنها كانت مؤامرة أجنبية وأن من قاموا بها كانوا على صلة بجهات خارجية مولتهم ودربتهم، وأن هؤلاء متآمرين على مصر وشعبها، بعد أن كان نفس الإعلام يحتفي بهم ويعتبرهم أبطالا أسقطوا نظاما فاسدا مستبدا وبسلوك حضاري غاية في الرقي وبأفكار إبداعية غاية في الذكاء والتأثير. ولا يصدق هؤلاء الشباب أن من يهاجمهم ويهاجم ثورة يناير العظيمة مجرد أبواق إعلامية كارهة لهم وللثورة ومنتمية بطبيعة الحال للثورة المضادة، وإنما هم يعتقدون أن السلطة القائمة تقف وراء من يهاجمهم وتبارك ذلك الهجوم وتدعمه بالمعلومات أو على الأقل تغمض العين عنه.
2 – سجن عدد غير قليل من محركي ورموز ثورة 25 يناير على الرغم من أنهم لم يمارسوا عنفا ولا إرهابا، ثم تسريب مكالمات شخصية بعضها شديد الخصوصية لنشطاء ينتمون للثورة ولهؤلاء جميعا شعبية كبيرة واحتراما وتقديرا ليس فقط لدى شباب الثوار ولكن بين عموم الشباب المصري الذي يعتبر أن ثورة 25 يناير ورموزها وأبطالها ومحركيها نقطة مضيئة وحالة تحول هائلة في تاريخ مصر والمصريين وأن المساس بها يعتبر طعنا في الكرامة الوطنية المصرية.
3 – الشعور السائد لدى الشباب بأن مجموعة من رجال الأعمال الذين استفادوا من حقبة مبارك يسيطرون على الإعلام الآن بكل أشكاله وأنهم يحاولون تشكيل الوعي الشعبي في اتجاه القبول بعودة النظام القديم بكل آلياته وطرقه مع بعض التعديلات الشكلية والأقنعة التي تتمسح بثورة 30 يونيو. وجيل الشباب غالبا لا يتابع ولا يتأثر بهذا الإعلام وإنما تتشكل رؤيته ومفاهيمه من إعلامه المستقل على الإنترنت، ولديه قدرة على التفكير النقدي تجعله يكتشف محاولات تزييف الوعي القائمة.
4 – الزفة "البلدي" للدستور والمبالغة في الترويج السياسي والتسويق السياسي باستخدام آلة إعلامية ضخمة موالية للنظام دون إعطاء فرصة ولو محدودة للآراء المعارضة حتى ولو كانت على أرضية وطنية خالصة، وأيضا المدح والتمجيد الذي يصل إلى حد الهيام والتقديس لشخصية الفريق عبدالفتاح السيسي بما ينبئ بعودة تمجيد الحاكم الفرد الأوحد الذي تنبهر الجماهير لرؤيته وتهيم شوقا لسماع صوته وتتحرك رهنا لإشارته، وكلها دلالات تعني لدى الشباب أننا نتحرك نحو الوراء ونستنسخ تجارب الزعامات العسكرية الكاريزمية في الستينات، ونستنسخ منظومات سياسية تؤدي إلى عودة الرأي الواحد والحزب الواحد والزعيم الأوحد.
وبعضهم يقول إن "عواجيز الناصريين" يريدون أن يصنعوا من السيسي "جمال عبد الناصر" آخر في غير زمانه وظروفه، وإن فلول الحزب الوطني من رجال المال والأعمال يريدون أن يصنعوا من السيسي "جمال مبارك" آخر يمجدونه ويؤيدونه ويبايعونه في إعلامهم ليل نهار مقابل أن يحافظوا على مصالحهم ومكاسبهم ومكانتهم التي فقدوها مع ثورة 25 يناير، وأن 30 يونيو كانت حبل إنقاذ لهم.
5 – التيارات اليسارية تخلت عن ثوابتها ومبادئها التقليدية المعلنة في الدفاع عن الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية، وأصبحت جميعها تؤيد عودة المنظومة البوليسية والعسكرية في الحكم مقابل بقاءها في السلطة أو بجوار السلطة أو على "حجر" السلطة نظرا لأن تلك التيارات لا تملك رصيدا شعبيا يصعد بها لتلك المكانة، لذلك فهي تؤيد السلطة القائمة والقادمة بلا شروط وتبالغ في تمجيدها وتملقها حفاظا على مكاسبها، وبهذا فقد الشباب ثقته باليسار واعتبره انتهازيا غير أخلاقي كما فقد من قبل ثقته باليمين الديني لتجربته السلبية في الحكم وبعد ترك الحكم. كما أن الشباب محبط من انخفاض الوعي الشعبي وعودة الناس إلى القابلية العالية للإيحاء والاستهواء والاستلاب والاستعباد التي سادت في مصر لسنوات طويلة قبل الثورة.
6 – يشعر الشباب أن ثورة 25 يناير تم ركوبها أو خطفها أو إجهاضها، وأن الموجة الثانية لها في 30 يونيو تلقى نفس المصير مع تغير الوجوه والأساليب. وأن الشعب المصري الذي أقام ثورتين (أو موجتين ثوريتين) وأسقط رئيسين، لم يجن من ذلك شيئا بدليل عودة الممارسات القمعية القديمة والتوسع فيها بحجة محاربة الإرهاب بحيث تطال فئات من المعارضة السلمية وأصحاب الرأي، وأن السجون تمتلئ بالمعتقلين دون محاكمة، وأنه لم يعد ثمة مساحة إلا للتهليل والتمجيد والتعظيم للدستور ولشخص بعينه كمنقذ وحيد وأوحد لمصر، وأن المصريين يمارسون بلا وعي عادتهم القديمة في صناعة الدكتاتورية والإستبداد.
7 – لم يجد شباب الثورة نفسه في أي ترتيبات في المرحلة الانتقالية (باستثناء تمثيل رمزي لأعضاء حملة تمرد)، أما مشعلي الثورة الأم 25 يناير فهم ملاحقون بالسجن أو التشويه أو التحقير.
8 – حصول أو قرب حصول عدد كبير من رموز النظام السابق على البراءة أو أحكام مخففة، بينما تصدر أحكام مشددة على النشطاء والثوريين والمعارضين.
9 – اعتماد الحكومة المؤقتة على الحلول الأمنية دون السياسية مما يعطي انطباعا إلى تنامي القمع الأمني بما يقترب من الحالة التي سبقت وهيأت لثورة 25 يناير.
قد يكون الشباب محقون فيما يعتقدون أو مخطئون في بعضه، ولكن في النهاية هذا ما يشعرون به ويعبرون عنه في أقوالهم وأفعالهم، وعلينا أن ننصت له جيدا ونضعه في الاعتبار قبل فوات الأوان، لأن الإحباط يتحول إلى غضب والغضب إما أن يتحول إلى مقاومة سلبية لمايجري على الأرض من خطوات يعتبرها كبار السن إنجازات هائلة على الطريق أو يتحول إلى عنف لفظي أو جسدي نرى شواهده في بعض الفعاليات في الشوارع والميادين والجامعات وعلى صفحات الفيس بوك ومواقع الإنترنت المختلفة، وهي إرهاصات لموجة ثورية شبابية قادمة قد تلتقي دون قصد مع موجات ثورية أو انتقامية أو ثأرية أخرى. حفظ الله مصر وشبابها وشعبها من كل سوء.
واقرأ أيضاً:
إرهاب المعتدلين/ أرجوك لا تترشح للرئاسة/ هشاشة النظام/ لماذا يقتل المصريون رؤساءهم ؟ / الترويج السياسي تحت مظلة الخوف