من المعروف في الدراسات الجامعية وحتى قبلها، أن الطالب إذا لم يواكب مواد الدرس فإنها تتراكم، ويجد نفسه لا يفهم ما يقوله المدرس في المحاضرات المتلاحقة، وهذه من الأسباب الرئيسية لتعثر التعليم ورسوب الطالب، وإصابته باضطرابات نفسية وسلوكية وشعور أليم بالفشل والضعف والقصور. فالعلة ليست في درجة ذكاء الطالب وعدم قدرته على التعلم والاستيعاب، وإنما لانشغاله بأمور وموضوعات أبعدته عن القيام بواجباته المدرسية والجامعية كما ينبغي، لكي يكون قادرا على الارتقاء بمعارفه إلى المستوى المطلوب للنجاح.
وهذا ينطبق على مجتمعاتنا التي رسبت في مدرسة الديمقراطية، وما عادت تفهم مفرداتها وتستوعب قوانينها ومعاييرها، وما هي حقيقتها السلوكية والتطبيقية، فما تعلم المجتمع مبادئها وأصولها في البيت والمدرسة والشارع، ولا عهد نظاما سياسيا يشير إليها من بعيد أو قريب. أي أن المجتمع مثل الذي لا يعرف القراءة والكتابة وعليه أن يدخل مدرسة محو الأمية لكي يتعلم ويعرف.
ومجتمعاتنا لم تدخل في مدارس محو الأمية الديمقراطية، وإنما وجدت نفسها بغتة تتحدث عن الديمقراطية، ومثلها كالأمي الذي وجد نفسه عليه أن يقرأ ويكتب فورا، وهو لم يكتب حرفا أو يقرأ كلمة في حياته.
وهذا مأزق حضاري خطير لم تنتبه إليه الثورات العربية، وحسبت أن الناس مثقفة وواعية ديمقراطيا، ولهذا أصبحت الديمقراطية ذات تعريفات مشوشة، ووفقا لقياسات الرغبات والغايات والتصورات الضيقة، والمندحرة في الصغائر والخنادق، والجحور المظلمة والزوايا الحادة الخانقة.
وفي حقيقة الأمر أن مجتمعاتنا تعيش أمية ديمقراطية مروعة، وتحاول أن تُظهر نفسها على أنها عارفة بها، وخبيرة بأصولها وثوابتها وقيمها وأخلاقها.
وما أكثر المُدعين بالديمقراطية، وهم أجهل الناس بها، لكنهم يرفعون راياتها ويصولون ويجولون باسمها، وما قدموا لمجتمعاتهم إلا الويلات والتداعيات، والفقر والفساد والحرمان من أبسط متطلبات الحياة.
ووفقا للجهل العارم، فأن الطرح السائد والمتواتر يتصف بذات المواصفات، ولا يتفق مع مبادئ وأساسيات الديمقراطية، التي عليها أن تعزز الحرية الواعية المسؤولة، والكرامة الإنسانية والوطنية والمصالح المشتركة، والوحدة الوطنية وتعزيز قدرات الاتحاد المتنوعة، وأن تكوّن نظام حياة جامع يؤهل المجتمع للتفاعل الإيجابي، وإطلاق القدرات النافعة المساهمة بالقوة والرفعة والغد الأفضل.
وعلى ما تقدم تترتب أوهام وأضاليل وتصورات قاصرة، تستند على تداعيات تفاعلات دائرة الأمية المفرغة، التي تلد ما لا يحصى من الرؤى والأفكار، المأسورة بآليات التواصل السلبي مع مفردات الواقع المحتدم بالويلات.
وهذا يعني أن أي قرار ينجبه رحم الاضطراب والتخبط سيمتلك درجة عالية من الخطأ، وربما يكون خطيئة شنيعة، ويندرج تحت ذلك، جميع الطروحات الناجمة عن الجهل الديمقراطي العاصف في أرجاء المجتمع، والذي جعل الديمقراطية مطية للتشرذم والانقسام، والتشويش والتشويه، وميدانا للتفاعلات القاصرة المكللة بالخسران.
فلنمحو أميتنا الديمقراطية أولا، قبل أن نتحدث عن موضوعات أخرى، نحن أشد جهلا بها وغربة عنها!!
واقرأ أيضاً:
طابت ديمقراطياتكم!! / الديمقراطية لا تلدها الأنظمة الدكتاتورية؟!! / تُجّار اليأس!!