الذين يتاجرون باليأس كثيرون في مجتمعاتنا وعلى رأسهم العديد من الذين يدّعون، ويتمظهرون على هيئة العارفين بما يدّعونه. وهذه التجارة بالنسبة لهم مربحة ورائجة ويستثمرون فيها أيما استثمار. وهي سهلة لا تحتاج لرأس مال سوى أن تخادع الناس، وتنمي جهلهم وتضللهم، وتفعل بهم بعد ذلك ما تشاء، وتأخذ منهم كل ما تشاء.
وما يميز مجتمعاتنا أن الذين يتحكمون بمصيرها يشتركون بهذه الصفة ويتمسكون بها، ولا يسمحون لأنفسهم بالنظر إلى غيرها، وبما أن تجارة اليأس فائقة الربحية، فإن مشاريع تعزيزها متواصلة ومتفاقمة وعلى جميع المستويات.
ويا ليتهم يتبصرون، وينظرون ويتفكرون، لتحرروا من أقبية اليأس ولشاهدوا الحياة وتعرفوا على حقيقتها وضروراتها وعوامل تطورها وتقدمها، لكنهم يخافون الخروج ويكرهون النور، ويترعرعون في الظلام الدامس الشديد.
قال أحدهم: النور يعمي العيون ويُذهب الأبصار!
وكأنه يريد القول، بأنه يفسد تجارتنا ويتسبب لنا بخسائر كبيرة، لا نسمح بها.
وقال آخر: الويل للذين يريدون إفساد الناس، كيف لهم يشجعونهم على الرؤية والنظر، إنه من الممنوعات، ومن الإثم المبين.
وقال قائلهم: دعونا نتمتع بما نحصد من صيد الرعاع.
وتأملتهم جميعا، وإذا هم أفاكون دجالون مخادعون، يُظهرون غير ما يبطنون، ويريدون الناس أن يفعلوا ما يقولون لهم، ولا يريدونهم أن يفعلوا مثلما هم يفعلون.
تلك حقيقة المرارات والتداعيات الحاصلة في واقعنا السقيم، الذي طلّق الدنيا بالثلاث، وتركها للمُدّعين بكل شيء مشين، لكنهم يقدمون أنفسهم للناس على أنهم الرحماء، وما هم إلا أباليس سوء وبغضاء، وأكرم منهم الشيطان الرجيم. فالويل لمن ينافق، ويساهم في رمي الناس في جحيم الويلات، ويؤهلهم لسفك الدماء والصراع الشديد مع بعضهم البعض، لكي يجني من وراء تجارته وبضاعته المغشوشة زقوم الحياة الدنيا وجحيمات الآخرة.
فهل ممن يقف بوجه هذه التجارة، وينادي بغيرها، لكي تخرج المجتمعات من الظلمات إلى النور؟!!
واقرأ أيضاً:
الديمقراطية لا تلدها الأنظمة الدكتاتورية؟!! / الأمية الديمقراطية!! / قرار أو فِرار؟!!