في مسلسل "دموع في عيون وقحة" كان عادل إمام يريد أن يحقق أمنية حياته بعد كل ما فعل وأحب وأخذ وأعطى وهرب وعاد، كان يعبر عن أن كل مراده في الحياة من كل هذا: وهو أن "يكون محترماً" أو ربما: أن "يموت محترما"!! ثم تطورت علاقتي بالاحترام – من واقع ممارستي- حين رحت أحترم الجنون ولا أصفق له، فيحترم المجنون احترامي له ويعود معي - أو نعود معا- إلى حل أكثر احتراما.
اكتشفت أن هذا الاحترام يحتوي قدراً هائلاً من الحب والعدل والنبل معا، كما أننا ابتعدنا به عن الخشية، والتبجيل، والتقديس التي شاعت عن الاحترام التقليدي التحت/فوقي.
نظرت حواليّ الآن فلم أجد هذه القيمة، لا من الصغير للكبير ولا بالعكس ولا من المختلف للمخالف وبالعكس، وتبينت أن جذور غياب هذا النبت الجديد غائبة من أيام التهميش، والاستهانة، والتزوير.
قرأت مؤخراً في هذا الموقع للدكتور عبد الله المغازي بعنوان "هنا الصين (3)" بتاريخ 19 ديسمبر 2013 الجزء الثالث من انطباعاته عن رحلته مع فريق الدبلوماسية الشعبية إلى الصين، ولم أتوقف لا في هذا الجزء ولا في الجزأين السابقين له عند فرحته بإيجابيات هذه المحاولة التلقائية الوطنية الحماسية، ولا أنا توقعت خيرا كثيرا منها كما توقع هو، حقق الله أماله وخيب ظني، لكنني توقفت من أول سطر في هذا الجزء الثالث من سلسلة مقالاته عند قوله ".... هذه الدولة "المحترمة" التي اختارت العمل ثم العمل السبيل الوحيد لربط الماضي بالحاضر"...؛
فجأة تحركت مشاعري كلها القديمة والجديدة تجاه هذه "الدولة المحترمة"، وشكرت الكاتب أن نبهني إلى هذه الصفة الرائعة التي تستأهلها هذه الدولة بدلا من مشاعر الحقد والغيظ والحسد التي كانت تغمرني كلما جاءت سيرتها، دون إغفال مشاعر الإعجاب والعجب طبعا، كل تلك المشاعر كانت تعاودني كلما قارنت حالنا بحالها، كلما تذكرت أن ثورتها قامت قبل ثورتنا بثلات سنوات فقط لا غير (1949 – 1952) كلما تذكرت تعدادها الذي بلغ حوالي ربع سكان العالم، كلما تابعت انتاجها المتنوع في كل المجالات دون استثناء؛
كلما تذكرت أنها دولة ذرية تستطيع أن تقول "لا" لكل الدول الذرية وغير الذرية وأن جيشها هو الأكبر في العالم في الخدمة مع ثاني ميزانية دفاع، كلما عرفت أنها اقتربت من أن تتفوق اقتصاديا على أمريكا ذاتها، كلما علمت أنها غزت أسواق أوربا (وليست أسواقنا فقط)، كلما عرفت أنه لا تقوم فيها حاليا مظاهرات لا مليونية ولا فئوية، كلما شعرت أنها تجاوزت لعبة الثورات الملونة، والموسمية، وأنها تقوم بعمليات إعدام تفوق ما يقوم به العالم جميعا!! كلما شاهدت الفاكهة المستوردة من مزارعها معروضة عند فكهانية مصر، كلما تخيلت أبعاد الديمقراطية "الخصوصي" التي تمارسها... كلما.. كلما.. كلما...
ما الحكاية بالضبط؟
سمعت من بعض الأصدقاء الذين أقاموا مشروعات في الصين ما لا يسر عن أعراف الصينيين أفرادا مثل غلبة الحرص المادي، وعن أخلاقهم النفعية جدا، ولم أرفض ذلك، قلت لنفسي: ربما يكون هذا ألزم لنجاحهم أفرادا وجماعات (50 % من المنتجات المزيفة في العالم: صينية) بديمقراطيتم غير الذليلة وغير التابعة.
تراجع حقدي وامتلكني بعض الخوف، لكن بقي الاحترام، ورجعت إلى مقال الدكتور المغازي وقلت: ياليت هذه البعثة ومثلها تنقل لنا الشفرة التي جعلت ناس هذه البلد يعملون هكذا حتى تصبح محترمة هكذا برغم الحرص الشخصي والتزييف والإعدام، كما تمنيت أن أساهم أن تكون بلدي منتجة منضبطة، وحتى نفعية مستقلة، لتكون محترمة، فتتحقق أمنيتي مثل أمنية عادل إمام في عيون وقحة، فأعيش ما تبقى لي محترما بين ناس محترمين في بلد منتجة مستقلة محترمة.
الاثنين : 23-12-2013
اقرأ أيضا:
أوهام وحقائق جديدة قديمة / طالب من الله، ولا يكثر على الله / بين الشماريخ والإعلام: يا رب سترك