الحياة محكومة بقانون المنفعة العامة، فما يحقق مصلحة الناس يبقى ويسود ويتوارث، وما لا يحقق مصلحتهم ينقرض ويذهب هباءً، برغم ما يمتلكه من قوة وقدرة على التأثير في المكان والزمان، والأمثلة لا تعدّ ولا تحصى في عصور التأريخ المتعاقبة. فالحركات والأنظمة التي ما نفعت احترقت وتحولت إلى رماد، وأعتى تلك الحركات كانت بقيادة التتار، الذين عاثوا في الأرض فسادا، وأحرقوا معالم المدنية المعاصرة آنذاك، لكنهم ذابوا في رمال العصور وبيداء الزمان.
والصراع بين النافع والضار متواصل ولن ينتهي، وهو تعبير عن الصراع الدائب ما بين الخير والشر، وفي خاتمة هذه الصراعات يخرج الخير منتصرا ومؤزرا بقدرات إضافية جديدة ذات امتدادات حضارية وإنسانية راقية.
وفي أوقات المنازلة قد يسود الشر لفترة ما، لكنه سينهزم حتما، لأنه لا ينفع الناس، وقد يكون نافعا كقوة لاستنهاض إرادة الخير في أعماق النفوس البشرية، التي تناست دورها وقيمها وأخلاقها ومعاييرها السلوكية، وجهلت عقائدها ومبادئها ومعاني مسيرتها.
وما يجري في واقعنا الذي يبدو أليما وقاسيا ومشحونا باليأس، أن الأنظمة الجديدة القائمة في المجتمعات التي هبت نحو الديمقراطية، لم تؤسس لأنظمة حكم نافعة، وإنما في معظمها صار الحكم فئويا وتحزبيا وربما أكثر من ذلك، أي أنها انتهجت سبلا لا تنفع الناس، مما أهلت القوى الأخرى لكي تكون أكثر نفعا لها، وهذا تسبب في تناميها وفرض سيطرتها على مناطق عديدة من البلدان، لأن الناس تنجذب إلى ما هو أنفع في لحظة زمنية ومكانية محددة، ولا تستطيع أن ترى أبعد من ذلك، بسبب أهوال التضليل والتيئيس، وفقدان النظام والقانون، والأمن والاستقرار، وشيوع الاضطرابات، وكحاجة نفسية فإن الناس تتحول إلى غرقى تريد أن تتشبث بقشة فلربما تعصمها من الغرق الأكيد.
ولهذا فإن علاج التداعيات لا يكون بالمواجهات الضارية، وإنما بتأمين حاجات الناس الأساسية، التي تتلخص، بالنظام النزيه العادل الإنساني الرحيم، وسيادة القانون والدستور الوطني الصريح، والجيش والشرطة وقوى الأمن الكفوءة، وبناء الدولة المسؤولة عن هموم المواطنين، وبالقيادة الحكيمة الواعية المثقفة المتفاعلة بنكران ذات، وتسامي أخلاقي وسلوكي قادر على صناعة القدوة الحَسنة الضامنة لسلامة الأجيال، والراعية لتطلعاتهم وطموحاتهم الإنسانية.
إن فقدان هذه المرتكزات في أي مجتمع، يساهم في استدعاء القوى السلبية لتكون هي المطلب اللازم لتوفير الحاجات النفسية الضرورية للحياة.
فهل سترتقي القيادات إلى مسؤولياتها وتعي حقيقة ما يجري، وتجتهد بالإجابة الشافية للخروج من دوامة الخسران الشديد؟!!
واقرأ أيضاً:
التفكير الأخضر!! / عدسات الرؤية!! / الذي لا يصنع هل ينفع؟! / أحمد شوقي صوت النهوض الخالد!!