سحبنا المدرب النابه إلى فخ لا ينسى أثناء تدريب على البرمجة اللغوية العصبية حضرته منذ سنوات، حين طلب منا أن نكتب عشرة أولويات لأهداف بترتيب أهميتها في اهتمامنا بها، واستفاض الحاضرون، وصالوا، وجالوا في التحليق، وذكر أهداف، واهتمامات، لا تقل عن التغيير الشخصي الجذري والعميق!! وحتى تحرير فلسطين من الصهاينة!!
انشغلنا بعد ذلك في تدريبات أخرى ثم طلب منا أن نكتب -بترتيب- ما نقضي أوقاتنا بالفعل في القيام به، وكتبنا، والصدمة كانت مروعة حين وضعنا القائمة الأولى إلى جوار الثانية -كما طلب منا- لنكتشف أن أوقاتنا الفعلية تنصرف في طرق وسبل أخرى -تماما- غير ما كنا نعتقد أننا مهتمون به!!!
ما معنى أن تكون مهتما بشخص، أو بشيء، أو بقضية؟؟
كم من العرب –وبخاصة من الأجيال الأقدم- يحبون الرئيس عبد الناصر -مثلا- ويكتفون تعبيرا عن هذا الحب والاهتمام بتعليق صورته، أو الترحم عليه، أو الدفاع عنه بحماس في جلسات الصحاب!!
كم من المصريين مهتم بثورة 25 يناير، وبالتغيير الجذري الشامل السريع المفترض أن تحققه؟؟
كيف يمارس هؤلاء المهتمون اهتمامهم هذا؟؟
كم من المصريين يزعم الاهتمام بمصر وأحوالها؟؟ أو الاهتمام بالمعتقلين فيها، وأحوالهم؟؟
كيف يمارس هؤلاء المهتمون اهتمامهم هذا؟؟
كيف يمارس أو يزاول المهتم بالإنسان وحقوقه وكرامته والتصدي للانتهاكات التي تمسه اهتمامه هذا؟؟
هل تعلمنا كيف نهتم؟؟ كيف نمارس اهتمامنا بشأن من الشؤون؟؟ أم أن اهتمامنا لا يتجاوز مصمصة الشفاه، أو تعليق وتداول الصور والتعليقات ونصب البكائيات، أو تبادل النكات، أو تصعيد الزفرات، والحسرات!!!
تنشأ خاصية "الاهتمام" بشكل مبكر جدا عند الطفل (قبل سن الثامنة)، أي أن يهتم بشيء أو أشياء، وفطريا يركز في البحث عن معلومات أكثر، وتجريب ما يمكنه، والتدرب على ما يتعلق بما يهتم به، فضلا عن معرفة خبرة الآخرين.
في مجال العلاقات يعبر الأطفال عن الاهتمام بأشخاص حولهم بطرق لا تخفى، وينتظر أن التنشئة داخل الأسرة، وفي المدرسة تلتقط إشارات الاهتمام -هذه- وتنسج عليها، وترعاها، وتطورها، لأن الاهتمامات هي من نقاط التميز والقوة التي يمكن أن تكون مدخلا لفهم الإنسان، والتواصل معه، وكذلك تعلمه، واختياره لوظيفته، وأصدقائه، وشريكة حياته!!
تعلم الاهتمام بالأشخاص وطرقه الناجحة هو مدخل كبير من مداخل النجاح في العلاقات: من العمل، وحتى الزواج، وبين الوالدين والأبناء!!
يبدو أن أغلبنا قد صادف تنشئة غير مشجعة لخاصية الاهتمام، وبالتالي فقدنا الشغف الحقيقي بالحياة، وجوانبها المختلفة، بل فقدنا القدرة على بناء حياة متوازنة وإيجابية، لأن بناء الحياة هو مجموعة اهتمامات تختلف وتتكامل بين حركتي، وحركة غيري!!
الناتج حولنا هو كتل من الأشخاص العاديين جدا، والشخص العادي في مجتمعاتنا هو شخص بلا اهتمامات حقيقية!!
كما يتكاثر ويتزاحم حولنا أيضا هؤلاء الذين يعتقدون أنهم مهتمون بشيء، بينما كل اهتمامهم هذا هو عبارة عن ذرف الدموع الحارة، أو اللت والعجن، وطحن الهواء، وتبديد الوقت في مجرد الكلام أو الحسرة أو إعادة ترديد المتداول، أو مجرد نقد المتداول، ودمتم!!
يبدو أن الاهتمام عندنا مشتق من الهم والهموم، وعند غيرنا مشتق من الهمة وبذل الجهد!!
وليس عيبا أن نتعلم من غيرنا كيف يهتمون بمقاومة الظلم مثلا، أو يديرون مناصرة قضية ما، أو تنظيم حملات صناعة رأي عام مخالف للبروباجندا الرسمية، أو كيف يهتم رجل بامرأة يحبها، أو كيف تهتم الأم بطفلها، أو كيف يهتم مجتمع بالسياسة، أو التغيير؟؟
لم يعد يكفي أن نغرق في سراب الأماني بأن أحدا سيحل لنا مشكلاتنا، أو أن البكاء، أو التهكم، أو تجديد زفرات السخط، أو التظاهر ضد الوضع البائس كاف لتغييره!!
حياتنا كلها الشخصية، والعامة هي عبارة عن ملفات لن تتحرك إلا بأن نتحرك لنكتسب الوعي، ونخوض غمار الخبرة، ولن يحصل هذا إلا باهتمام حقيقي ومعرفة معنى "أن أهتم" ليست مهمة الآباء والمربين فحسب، بل مسألة حياة أو موت، أو موت بالحياة كهذا المنتشر حولنا!!
الجمعة, 28 فبراير 2014 11:28
نقلا عن موقع مصر العربية
واقرأ أيضًا
في العتمة ضي ! مقدمة.. في الألم!/ في مديح التشفي