الدول الصناعية دول زراعية أولا، وترى بوضوح وصدق وأمانة أن مَن لا يُطعم نفسه لا ينجز شيئا. فالجائعون عاجزون إبداعيا وابتكاريا، لأن البحث عن الطعام يستنزف طاقاتهم ويوقعهم في مهالك وتداعيات.
وواقعنا يتحقق تدميره حضاريا بطاقات الأضاليل والأكاذيب التي عصفت في مجتمعاته على مدى القرن العشرين ولا تزال، حيث تم إيهام الأجيال أن الزراعة تأخر وتخلف، ولكي تتقدم يجب أن تهمل الزراعة وتجافي الأرض، وتتنكر للأنهار وتتجاهل المشاريع الإروائية، وتندفع نحو الصناعة.
وهذه الأضاليل المفبركة بإحكام وترويج إعلامي فتاك، جعلت الإنسان يهجر الأرض ويغادرها إلى المدينة ، فتحولت المساحات الشاسعة من الأرض إلى "بور"، لا تصلح للزراعة، والقصص لا تحصى ولا تعد، فمدننا صارت تزدحم بالمهاجرين من الريف.
ذلك أن الأنظمة الضحية لها، قد أسهمت بقوة في عدم توفير الظروف الملائمة لتطوير الريف وإعلاء قيمة الزراعة، فعم الجهل والأمية وتنامت الأزمات التي دمرت الاقتصاد وفتكت بالثروة الحيوانية.
وقد فقدت العديد من الدول قدراتها الإنتاجية للمحاصيل الزراعية، كالرز والحنطة والقطن والتمر والخضراوات وغيرها من المحاصيل الأساسية، ووجدت نفسها في العقود الأخيرة من القرن العشرين تعتمد تماما على غيرها في طعامها، فصارت معظمها تستورد الحنطة والرز وحتى الخضراوات.
ولهذا ما صنعنا ولا زرعنا و"ضيعنا المشيتين"!!
ولا يُعرف هل ستسترد دولنا رشدها وتؤمن بالزراعة وبضرورات إطعام نفسها، بدلا من الاعتماد على الآخرين، فالشعوب التي لا تتمكن من إطعام نفسها ناقصة الحرية والسيادة ولو امتلكت أموال الدنيا كلها. فلنفكر بإطعام أنفسنا أولا، وعندها سنحقق حريبنا وكرامتنا ونبني مجتمعا ديمقراطيا معاصرا، ذلك أن هذه الأهداف والتطلعات تتطلب إرضاءً للحاجات الإنسانية الأساسية، لكي تمتلك قدرات الصيرورة والنماء.
وإذا بقينا نلهج بالمصطلحات الفارغة من المحتوى والمنطوق، فلن نصل إلى أفضل مما وصلنا إليه من انشغال ببعضنا وتخريب لحاضرنا ومستقبلنا.
فلنزرع لكي نعرف الديمقراطية؟!!
واقرأ أيضاً:
النافع ينتصر!! / أحمد شوقي صوت النهوض الخالد!! / النفاق الديمقراطي!! / عندما يعرفك خص