قرأت لأحد الأساتذة مقالا تحليليا يتحدث فيه عن عقلية "الغالب والمغلوب" المهيمنة على السلوك السياسي.
وكلما تُذكر كلمة "سياسي" ، أتساءل :"هل عندنا سياسة"؟!!
فالمشكلة التي لا نصدق وجودها أن سلوك الكراسي تنطبق عليه آليات الغاب وأكثر.
إذ يتفوق عليها بوحشيته وإطلاقه لقدرات الشرور والجور والفجور، فالكرسي هو ميدان انفلات النفس الأمّارة بالسوء.
وهذا معروف على مدى العصور، والقادة الذين خلّدهم التاريخ أما من الذين حاولوا لجم جماحه وطيشه، أو ركبوه إلى أقصاه فعبّروا عن غاية الشر وذروته في أفعالهم التي ترتعب منها الأرض.
وهم أكثر من الذين حاولوا أن يلجموا تطلعات النفس الأمارة بالسوء والبغضاء، ويتكرر في حياتنا التي نسميها (سياسية)، وما هي بالسياسية وإنما بالغابية.
البعض يرى أن في الغاب ضوابط وتقديرات متعارف عليها، كالجوع والقوة والضعف وإرادة البقاء، فالحيوانات المفترسة تصطاد ما ضعف من القطيع، وتحافظ على التوازن بتقليل الأعداد.
أما في عالم الكراسي فلا ضوابط ولا أحكام، وإنما إرادة الانفلات المطلق، التي لا تعرف الحدود والوقوف عند مكان، أو الاعتراف بالقناعة وتغيير الرؤية والاتجاه.
فالذي يسرق يتمادى بالسرقة، ومَن يقتل يتواصل في القتل، والظالم يتمادى بظلمه وهكذا دواليك.
وفي عالمنا الذي قُتلت فيه النفس اللوامة واعتقلت النفس المطمئنة، وتسيّدت أمّارة السوء التي فينا، لا يمكن القول بوجود سياسة، ولا يصح الاقتراب من الحالة بعقل ورشاد، وإنما التضليل هو القانون والاضطراب هو الدستور، مما أباح الفساد والقهر والقتل والتمادي بالسيئات.
فوجدتنا في عالم المحق الذاتي والموضوعي والإتلاف الحضاري المروّع.
وساد العداء الوطني والغباء السلوكي، الذي أدّى إلى أن تكون أفعالنا ذات صفة انتحارية، فأما أنا موجود أو يبيد كل موجود.
هذا السلوك يتكرر في بلداننا ويدمّر معالم وجودنا، ويدفع بنا إلى انقراض حتمي وعلى جميع المستويات.
وقد نتوهم بأننا لن ننقرض، وسنكون، لكن دوام السلوك الانقراضي سيدفع لحتمية الهلاك والإبادة التامة لمعالم الوجود الذي يرتبط بنا، فلن يكون عتاة الكراسي غلبة ولن يغلب إلا الطامع فينا جميعا.
وهذا قانون امتلاك الشعوب الجديد، الذي يرفع رايات الحرية وحق تقرير المصير على لافتات سامية، ويمثلها بسلوكيات دامية.
وهو ديدن وجودٍ فوق التراب ، فما ملكنا شيئا إلا جئنا بما يناقضه ، وما صنعنا شيئا إلا سخرناه للشرور!!
فهل سيتأهل واقعنا للحديث عن صلاح سلوك وإرادة أكون؟!!
واقرأ أيضاً:
الفردية تحكمنا!! / تَناطح الأفكار!! / الاستهلاك الديمقراطي!! / الأكل لا يشبع والكرسي لا يقنع!!