في ندوة الأمس تحدث أستاذ أساتذتي، في علم النفس السياسي.. الدكتور قدري حفني عن أن 25 يناير 2011 كانت لحظة فارقة في حياته كشفت له عما لم يكن يتوقعه، ولم يلحظه –قبلها -من تغيرات طرأت على الشخصية المصرية، ونقاط قوة فيها، وبوادر ثورة، كانت كامنة.. ولم يصدق.. إلا حين رأها بأم عينه!!!
بدا مدهشا، ومندهشا، وهو يقول: الثورة كانت صادمة لي.. إذ كيف غابت عني.. حقيقتنا، وأنا المتخصص!!
أما بالنسبة لي أنا.. فقد راقبت ما جرى بسرعة، بعد أن توارى مبارك عن صدارة المشهد، حيث انهمك أصحاب السلطة والثروة في تخريب حلم الشعب بالتحرر، والعيش الكريم، تارة بخداع الناس أن الثورة قد انتصرت، وانتهى الموضوع، وليتوقف النضال.. إذن!! وتارة بإجراءات تنكيل وتسميم الحياة اليومية للناس، وترويعهم بكوارث من قبيل حرق الكنائس، أو صدامات مميتة في الشوارع مع حشود المطالبات، أو مذابح مثل ما حصل للزهور الطازجة التي سحقت في استاد بورسعيد!!
كان يمكن لتربيطات السلطة والثروة إجراء تعديلات وتطويرات.. استجابة للمتغيرات الجديدة، واستيعابا للطاقات، والمشاعر المتدفقة في شوارع غاضبة، وصدور شبان طموحين، لكن منذ متى والسلطة في مصر، أو أي بلد عربي، تمتلك حلا للمشكلات، أو مرونة التجاوب مع المتغيرات؟؟!!
النتيجة كانت الاستمرار في تنويعات القهر، والتلاعب.. شغبا على الروح الجديدة التي تتطلع إلى مستقبل مختلف لشعوب متمردة على العفن القديم.. كله!!
الجموع الجسورة المستمرة في نضالها -بأشكال مختلفة -ما زالت بدورها تجيد الشغب على من شغبوا على أحلامها، لكنها لم تجد صيغة لتجسيد طموحاتها بعد!!
لم تدرك الجموع بوعي، ما تمارس تفاصيله بحماس، من أن السلطة بالمفهوم القديم –القائم على التسلط، والسيطرة -تواصل انهيارها.. في العالم كله، ومنطقتنا ليست استثناءا من هذا، لأن المؤثرات التي تزلزل العروش القديمة، والأساليب القديمة تجتاح العالم كله، ويتأثر بها العالم كله!!
ولم ينهمك أحد بجدية في صياغة مشروع جديد يصلح للتحديات الحالية مجتمعيا، واقتصاديا، وإنسانيا!!
بل لم ينجز أحد حتى الآن أي مشروع متماسك لاستثمار ما تفجر من طاقات إيجابية مع اندلاع التحركات الأولى في يناير 2011، وما تزال هذه الطاقات تتفجر، ولا أحد يمتلك، أو يطرح مشروعا لتشبيكها، وتطويرها، وتحويلها من مجرد الغضب الخام الظاهر في الشغب على ما هو قائم ومتهالك، من الآداء الرسمي.. إلى تشكلات جديدة، وآفاق جديدة، ووعي أفكار وممارسات جديدة!
وبدت المفارقة مضحكة، والجموع تحتشد لتطالب أصحاب المصالح، والشبكات المسيطرة بأن يتغيروا، ويتخلوا عن مصالحهم، وينفذوا مطالبات بزيادة الأجور، أو تطهير وتغيير أجهزة الأمن، أو إعادة توزيع الثروات، والقضاء على الفساد، أو قضاء نزيه يحقق العدل!! أي أن الحشود تتخيل أن مجرد الاحتشاد الشجاع الرافض للقديم، والشاغب عليه.. كفيل بإحلال الجديد محله!!
كما تتخيل السلطة التي لا تجيد غير الأساليب القديمة، والقهر المعتاد.. أنها ستنجح في أن يتخلى الشباب عن أحلامه بمجتمع جديد كجزء من عالم جديد تسقط فيه السيطرة تحت أقدام ثورات الحركة المجتمعية، والطفرات في الزيادة السكانية، والقدرات الاتصالية، وتداول الأفكار والأدوات المتعلقة بالتحرر من كل تسلط، وسلطان!!
السلطات القديمة في بعض بلدان الربيع العربي تخوض صراعا مزدوجا ضد شعوبها –وبخاصة الشباب -وضد الزمن، ومتغيرات المرحلة، وتحاول استعادة تشكيل وإحكام قبضتها وشبكات سيطرتها على الأمور بسرعة، والطامحون إلى التغيير يشغبون على هذه التشكلات الكريهة، ولكن دون البدء في بناء جديد يشتبك معها لاحتواءها، وتقليم أظافرها، وإدماج من يتجاوب فيها مع الطرح الجديد، وربما مطلوب أيضا تشكيلات مستقلة، ومستغنية عن دعم ومباركة دولة هي إلى الوهم أقرب منها لأي حقيقة!!!
هذا كلام لم يفهمه أحد من الثائرين، ولم يطرح بالتالي شيئا، ولم تفهمه قيادات الإخوان فطرحت مشروعا هو هجين بائس بين جديد ساخط لم يتبين أحد ملامحه، فضلا عن صوغ مشروعه، وبين قديم متهالك لم يقبل بالشراكة، بل تلاعب بهم، وما يزال يتغذى على شغب الإخوان، ويستثمره، لأن الاقتصار على مجرد الشغب يعطي للطرف المشغوب عليه مشروعية وثقة بالنفس، وقبولا جماهيريا، ويجدد صلاحيات صيغ وأساليب وقيادات وأفكار.. منتهية الصلاحية، وهو يشبه ما جرى في مصر خلال الثمانينات حين قنعت المعارضة عامة، والإخوان خاصة، بدور المعارض الرئيس لنظام كان متآكلا، وآيلا للسقوط، فإذا بالظروف والسياقات، ومنها الاقتصار على المعارضة –حينذاك -تعطيه قبلة الحياة، فيستقوى على الجميع تدريجيا!!!
كأني بالمرحلة الحالية تنادي علينا: هذا أوان الطرح الجديد.. فاطرحوه.. أوموتوا.. غير مأسوف عليكم!!!
الجمعة, 14 مارس 2014
واقرأ أيضا:
صفحة جديدة.. ممكنة/ التربيط