بسم الله الرحمن الرحيم، باسم العدل الحق العليم، باسم الإنسان المصري العنيد، باسم التطور الحتمي يقف على قمة هرمه الإنسان الساعي لوجه الله، باسم الحقيقة التي تفرض نفسها في دورات حتمية مهما طال الزمن وطغت قيم الزيف، واختفى بريق التطور النابض الغائر الأكيد، باسم كل ذلك وما دونه وما بعده، نفتح هذه الصفحة من صفحات التاريخ، بمجرد أن سمحت لنا إمكانياتنا المتواضعة بفتحها.. آملين أن تخط على جدار الزمن أثرا يبقى بعدنا، يعلن بعض معالم محاولات إنسان العصر المقيم على هذه البقعة المباركة من أرض الله -"مصر" -أن يكون إنسانا كما كرمه خالقه. لا يخفى على أحد ما وصلت إليه "الكلمة" في عصرنا هذا من امتهان لكثرة ما تداولها غير أهلها، ولكثرة ما تركها أهلها بلا رعاية أو قدسية، حتى كادت تصبح وظيفتها الأولى هي ملء وقت الفراغ بأصوات مسلية أو لاهية أو ملهية، أو تسويد بياض الورق بأشكال أغلبها ليست سوى ديكورات" للعقل المعاصر، ولم يخف هذا علينا حين قفز التساؤل المتحدي يقول: هل نحن في حاجة إلى مزيد من الكلمات على الورق، ومزيد من الكتاب والمحررين والأحاديث والندوات.. إلخ إلخ؟ هل نحن في حاجة إلى مزيد من المساجلات العقلية، والمباهاة، والمهارب، والتفريغ المُشِل، حين تنطلق الأقلام لتسويد الأوراق؟ أم أننا في حاجة إلى عمل وقدوة ومثابرة وإنتاج .
ثم تأتي "الكلمة" نتاجا جانبيا شريفا سلسا؟؟
وبتعبير آخر: هل الكلمة هي التي تصنع الواقع وتؤكد الفعل، أم أنها ليست إلا تسجيل للواقع وتابع للفعل؟؟.... والحق الحق أننا كنا -ومازلنا -نميل إلى الرأي الثاني رغم خطورته وصعوبته، ذلك الرأي القائل بأن العمل أولا، ومع هذا، فإن العجز عن الفعل الكافي الآن، وعن الإنتاج الفعال حالا، قد ألزمنا (بالحفاظ على حق الكلمة في الإسهام وأحيانا في الريادة)، إن الكلمة القادرة الشريفة هي نور المسيرة البشرية، ووضعها على الورق هو أمانة تاريخية لا مهرب من التصدي لها، ذلك لأنها تحمل فكرا إذا لم نستطع أن نصل إلى تحقيقه، فإننا لابد تاركون معالمه لأجيال من بعدنا تحكم علينا، وتكمل ما قد عجزنا عنه.
إننا في مسيرتنا الحضارية نشارك إنسان العصر في مواجهة أزمة وجود يكاد يتفرد بها عن أجداده، فعصرنا قد حطم حواجز كثيرة، وهز أصناما راسخة، حتى اختل كيان الفرد العادي في مسيرته اليومية، وانتقلت مشكلة الوجود من صوامع الذهنيين إلى الشارع، وبهذا أصبح الفرد العادي أكثر فأكثر طرفا فاعلا في تحديد مصير الكافة، بما أتاح له التقدم من فرص زيادة الوعي والمساهمة في إصدار القرار.
أما علامات المسيرة البشرية فهي واضحة صريحة ومتحفزة أيضا تتحدى أي متقاعس أو مناور معطل، وهكذا تحطمت وتتحطم الحواجز بين الصفوة المثقفة والرجل العادي، ثم تحطمت بين الأوطان بفضل ثورة الترانسيستور ثم التليستار، ثم تحطمت بين الأجناس بفضل فشل التمييز العنصري من المرحوم الفوهرر إلى السيد بيجين أيان سميت، وكذلك تحطمت الحواجز بين العقائد والأيديولوجيات بفضل فشل المذهبيين عند التطبيق الحرفي المتشنج لمذاهبهم،
وكادت تتحطم الحواجز بين الطبقات بفضل تنافس الأنظمة المختلفة -اقتصاديا -في الإسراع برشوة الغالبية المنتجة.. حتى لو لم يصدق الراشون النية في الاهتمام بتطوير الإنسان أو تعميق وعيه، وأخيرا كادت تتحطم الحواجز بين الأديان بفضل سعة صدر المتدينين على كل جانب، نتيجة لفهمهم الأعمق لرحابة الدين ووظيفته بحيث سمح أغلبهم بالتوصية بمنح تأشيرات دخول الجِنان كافة بالعمل الصالح لكافة البشر، تاركين لله العلي القدير وحده حق الإطلاع على السرائر وما تخفى الصدور، ملتزمين بما يلزم من الضروري للعبادة السليمة والتقرب إلى الله.
لا مفر من الأخذ بالمخاطرة باحترام المعطيات الجديدة، لكن دون ميوعة الهلامية، واستسهال الحل الوسط، لا مفر من التخطيط المسئول لمسيرة البشر من واقعها، لا من تبريرات تجاهلها، ولا مفر من أن ينادي أي مواطن شريف في أي بلد أنه "بلدي أولى بي... منها أبدأ.. ثم يعم الخير الجميع"، وأن يصر كل صاحب دين على الالتزام بتعاليم دينه لصالح البشر، ساعين إلى وجه الله من كل حدب وبكل لغة وصلاة، وأن يصر كل صاحب كل مذهب على الدفاع عن وجهة نظره، والتعلم من فشل تطبيقها، فإنسان العصر مدعو -بالرغم منه على ما يبدو -إلى التعاون مع أخيه الإنسان في كل مكان، بأقل قدر من التعصب، وأقل حماس واحتكار للعقيدة الخاصة، وبأكبر قدر من العمل واحترام اختلاف الطرق رغم توحد الهدف.
وبعد..
هذه المقتطفات هي من "افتتاحية" العدد الأول من مجلة "الإنسان والتطور" بتاريخ أول يناير 1980، (أي منذ ثلث قرن!! قبل تولي الرئيس مبارك السلطة بعامين تقريبا!)، وقد ظلت تصدر فصلية من ذلك الحين حتى تاريخ سبتمبر 2001، ثم هي تصدر الآن كنشرة يومية في "موقع الكاتب" منذ أول سبتمبر 2007 وحتى اليوم (العدد 2437).
ثم كان ما كان.. نحن لا نفقد الأمل.. ونواصل السعي.. والله المعين.
اليوم السابع السبت: 3-5-2014
نقلا عن موقع أ.د يحيى الرخاوي
اقرأ أيضا:
الذين يعبدون الله على حرف، والإيمان المصري / نادين شمس: شاعرة تكتب قصيدتها الأخيرة / أخبار وأفكار