هل نرى بعيوننا وندرك ببصائرنا, أم نرى بعيون اللحظة وندرك ببصيرتها؟!
العاشق يرى ما يعشق بعيونه أم بعيون العشق؟
المحب يرى ما يحب بعيونه أم بعيون الحب؟
الحاقد يرى الناس بعيونه أم بعيون الحقد؟
القاتل يرى ضحيته بعيونه أم بعيون القتل؟
هذه وغيرها ومثلها الكثير من التساؤلات, التي تطوف في عالمنا ونحن نـتأمل سلوكنا البشري وما يدور حولنا من تفاعلات وعلى مختلف المستويات.
لماذا لا نرى بعيوننا ونبصر بعقولنا؟
هل نحن مولودون من رحم اللحظة؟
العواطف والانفعالات البشرية نار متقدة في الأعماق بشرارة الإفرازات الهرمونية من غدد صماء بلا قنوات, تضخ ما فيها من وقود المشاعر والأحاسيس البشرية, وتسيطر على سلوك البشر وتدفع به إلى الغايات الهرمونية المطلوبة, والرسالة البايولوجية التي يجب أن تتأكد ويتحقق من خلالها الفرد, أو يزول لعدم توافقه مع معطيات اللحظة وقوانينها البقائية.
واللحظة البشرية لا يمكن تحديد مدتها وفقا للزمن الأرضي, لكنها طاقة فاعلة في الكيان ومقررة للتطلعات والمصير.
عيون اللحظة عبارة عن محطة استقبال للأفكار والمشاعر, التي تتناسب وصياغتها القائمة والمؤثرة في العمق البشري.
وهي تحقق ما تريده بقدرتها على تكثيف الأفكار والمشاعر, التي تعزز اتجاهها وبلوغها لهدفها الذي تتجه نحوه بكل طاقاتها وقدراتها في تسخير الكيان البشري وامتلاكه, ودفعه إلى ما تريد وكأنه هو الذي يريد ويرغب ويتمنى, ويموت من أجل أن تتلذذ اللحظة المهووسة بهواها.
عيون اللحظة قد تتركز في أي عضو من أعضاء الجسم البشري, ويكون هو بوصلتها ومرشدها ووسيلتها في صناعة الحدث, وتفجير طاقات اللحظة المخفية في كف الإرادة الغامضة والمستورة في الأعماق البعيدة.
عيون اللحظة تتحرك ولا تتوقف أبدا, ولا يمكننا أن نجد فردا بشريا يرى ذات الصورة في مختلف الأوقات, بل أنه يكون خاضعا للحظته ومتأثرا بمعطياتها الذاتية والموضوعية وتفاعلاتها المعقدة في مجتمع خلاياها وغدده الصماء التي تحوله إلى كتلة متقدة بالهرمونات, وهي تحفزه نحو المبتغى الذي أوجدها وصبها في عروقه.
عيون اللحظة تدفع بالبشر إلى تواصل التبدلات, وتغيير الآراء والتصورات وتملي عليهم الكثير من التنوعات والاختلافات ذات الصياغات المتراكمة, والتي تحقق الحياة وتضخها بالطاقات اللازمة لديمومتها.
عيون اللحظة التي نتجاهلها ونبني أحكامنا عليها ونغرق في أوهامنا بسببها, لأنها لا تضعنا في حقيقة الصورة والموقف, وإنما تشوّه كل ما فينا وما حولنا وتسخرنا لإرادتها ونحسب أننا نحقق إرادتنا.
وقد تتشكل بسبب هذا التفاعل السلبي والاضطراب المتداخل الكثير من الأزمات, التي تأخذ بالتفاقم بسبب تنامي تشويش اللحظات وضبابية رؤيتها, وما تمليه على البشر من حالات نفسية وانفعالية ترمي بهم إلى ما لا تحمد عقباه.
عيون اللحظة تأكلنا وترمي بنا إلى قيعان النسيان, وتستهلك طاقاتنا من أجل أن تستولد لحظة أخرى, تغرر بها بشرا آخر وتملي عليه ما تشتهيه من الويلات والتخبطات والتداعيات, التي تسقي الجموع زقوم الآهات.
عيون اللحظة سيدة الأوجاع وبؤرة المأساة.
فهل سنرى بعيوننا؟
أم سنبقى أسرى اللحظات؟
تساؤلات بلا أجوبة ولكنها حبلى بالأسئلة والاستفهامات!!
ونبقى ندور واللحظة تستعبدنا وتأخذنا إلى حيث نريد, وفي حقيقة فعلنا نذهب إلى حيث تريد لحظة الزمن الأرضي العنيد!!
واقرأ أيضاً:
الثعبان إنسان / الميزان والسلوك!! / الظالمون! / العالم السكران!!