مصارع الثيران يسمى (ماتدور).
ويبدو أن الواحد منا (ماتدور)، يتزين ويرتدي أجمل الملابس، لكي يصارع فكرة حية جوهرية ذات قيمة فيصرعها، وتعلو الزغاريد لموت الفكرة وسفك دماء المعقول.
ومنهج مصارعة الثيران يطغى في المجتمعات المتأخرة التي يتحول فيها نظام الحكم إلى ثور، عليها أن تصارعه وتطعنه بالمديات والسهام الطويلة حتى يترنح مضرجا بدمائه وآلامه ونهايته المأساوية.
فترى تلك المجتمعات بلا سكة وجود معاصرة تسير عليها الأجيال.
وإنما كأنها عبّدت دروبها بأشلاء الثيران المصروعة، ولونتها بدمائها التي لا تتوقف عن النزيف الدفاق.
وفي كل مرحلة، هناك ثور أو ثيران.
قد يكون فردا، حزبا، أو ما شئت من الأسماء والعناوين، لكنها تحقق غاية الطعن والفتك بالآخر، وسط مهرجان واحتفال حاشد، في ميادين الأوطان المبتلاة بلعبة مصارعة الثيران (السياسية).
ويبدو أن الأسبان أكثر حكمة ودراية منا، لأنهم تمكنوا من تحويل النوازع الفتاكة الكامنة فيهم إلى واقع فعال، فأخذوا يقيمون مهرجانات لمصارعة الثيران في ميادين عامة، فيجتمع الناس ويفرغون انفعالاتهم وعدوانيتهم في بدن الثور المسكين حتى يتم قتله وتعذيبه أمام أنظارهم، وهم يهرجون ويصرخون ويفرحون برؤية الدماء ومعاناة الثور حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، بالطعنة القاضية من فارسهم المعبر عن مشاعرهم العدوانية الكامنة فيهم.
ويبدو أن مصارعة الثيران (رغم شراستها) وسيلة علاجية ابتكرتها الأجيال السابقة، لكي تهذب مشاعرها العدوانية، ولهذا أصابها التقدم أكثر من المجتمعات المتأخرة، التي حولت أنظمة الحكم فيها إلى ثيران، عليها أن تصارعها وترديها على قارعة طريق الويلات، الذي تسلكه معبدا بالمآسي القاسيات، والمرصوف بالجماجم والعظام والحسرات.
ولهذا فإن المجتمعات المتأخرة لكي تتقدم عليها أن تعيد النظر بما تراه وتعمل بموجبه، حتى تصل إلى معرفة آليات التعامل المعاصر اللازم لصناعة التواصل المتآصر، والعمل الجاد لتأكيد المصلحة العامة، ورؤية نظام الحكم بمنظار آخر، محكوم بالدستور والقوانين التي تحافظ على سلامة أبناء المجتمع.
لا أن تبقى تدور في حلبة مصارعة الثيران السياسية، التي قتلت الثيران والمتفرجين معا، لأن فوارسها ذوي قدرات فتك وخيم.
فهل ستتبصر المجتمعات المتأخرة وتدرك أن الثيران التي تصارعها، يجب أن تكون حقيقية ومن إنتاج حقول تفاعلاتها اليومية.
لا أن تنحرف وتتوهم طبيعة الثيران التي تتواصل في مصارعتها من غير جدوى!!
واقرأ أيضاً:
الإبداع الديمقراطي/ الأسائيس؟! / العقل الوطني المعصوب / حرب على حرب!!