لماذا لا تهدأ تلك الضجة في رأسي ولو لدقيقة واحدة .. دقيقة أجرب فيها السكون كما ينبغي؟؟
تلك الجملة ترددت بذهنها وهي تتقلب على فراشها في منتصف الليل كعادتها .. تقلب صفحة الكوابيس .. لا تمنحها الحياة الخفة إلا في التقلب بين الكوابيس .. ولا يهديها الوقت الإبداع إلا في ابتكار تفاصيل تلك الكوابيس .. تفاصيل لا تعلم من أين تراكمت في ذاكرتها .. مشاهد لم تلمح أجزاءها من قبل .. كيف تركبت في أحلامها القاتمة بكل تلك البراعة
لماذا تبدو تلك الخطوط السوداء المتعرجة فاتنة على الحائط الأبيض أكثر من لوحات الورود الملونة ؟؟ لماذا تبدو تلك الموسيقى الهادئة بحزن كونا أخضر تتناثر عليه بهجته القرمزية بصخب محبب ؟؟ ولماذا يتحول ذلك الضوء بنظري الآن لقطرات بادرة تضحك على جبيني حين تقبله بدفء؟؟
هو حب بالفعل .. تفعله بإتقان .. وتلهمه للموجودات حولها بعبثية دافئة .. رغم أنها لا تتذكر في أي حلم أزرق تعلمته .. ولا بأي نافذة توقفت على تفاصيله بنهارات تستيقظ على روائح الضوء والحياة .. نهارات تفلت في كل خطوة بطرقها بشر لا يملكون شيئاً مميزاً .. غير أن لأعينهم بريق لا يتوقف .. وفي المساحات الجامعة بين صدروهم تتواصل النسمات بالبرد والسلام
كانت تلك الأسئلة تتناثر أمامها و لا ترهق نفسها بالإجابة .. فقط تضعها تحت قائمة كل ما هو مؤجل .. الإجابات المؤجلة .. اليقين المؤجل .. الفرح المؤجل .. كأنها قد قررت أنها لم تكتمل بعد .. أو أنها تحتاج للنضوج أكثر كي تجيب وتلقي بالحكمة المتراكمة في رأسها وهي راضية .. كي تستكين باليقين البسيط الذي يرتسم على حواف الحياة من حولها كل يوم .. يقين شفيف كغلاف للقلب .. لبساطته تراه ولا تهتم.. وتنتظر الفلسفة العليا التى قد قررت أنها غير مهيأة لتلقيها بعد .. تمسح جسدها بنظرة خاوية .. تزيح به عن طرق الفرح الذي قد يبدو ملكية خاصة لها .. لكنها قد قررت أنه ليس لهذا الجسد أن يفرح الآن
ربما كان من الأفضل أن تؤمن بنفسها أكثر في لحظة حلوة تحياها بلا عناء حين ترتسم لها وحدها .. ولكن فلسفة الحياة المؤجلة أصبحت صفحة متكررة في كتاب كوابيسها اليومي .. تضحك بعيداُ عن الحياة بجهد شديد .. وتخفي من صدرها نصف الكلام الأبيض .. ولا تهدي للظلام العريض سوى بعض شمعات واهنة وترانيم توقف البشر عن الائتناس بها.. ولا تقوى على استدعاء ليلة بلا أحلام.
واقرأ ايضًا:
ذاكرة المدن القديمة/ بائع الورد/ وصية الشهيد مابعد الأخير/ ثلاثة وجوه/ اكتمال/ قل هو الموت/ هوامش نص