إذا استثنينا حرب أكتوبر 1973 فإن (إسرائيل) هي التي بادرت إلى شنّ الحروب التي كانت طرفاً فيها منذ قيامها في أيار / مايو 1948 وحتى الآن، بل إنها تعدت ذلك إلى شنّ غارات والقيام باغتيالات بعيداً عن حدودها وفي أكثر من دولة. وحجتها دائماً هي "الأمن"، والذي من خلال طاحونـة الإعلام العالميـة التي تُسـيطر عليها الصهيونيـة العالميـة تم تسـويقـه على اعتبار أن أمن (إسـرائيل) "مهدد" في كل لحظـة، وهذا ما تُربي شـعبها عليـه، ونظريـة "الأمن"الإسـرائيليـة لا يسـتطيع أحد حصرها والوقوف عليها؛ حتى أن كاتباً فلسـطينياً كتب ذات مرّة أنّ (إسـرائيل) قد تقوم بقصف مصنع أقلام في المغرب العربي بحجة أن هناك عسـكريين يسـتعملون هذه الأقلام في رسـم خرائط عسـكريـة..!!
والذريعة الإسرائيلية حول "الأمن" لم تصدق يوماً، بل العكس هو الصحيح، (فإسرائيل) لا تزال تحتل أراضي عربية، إضافة إلى أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة، ولديها ترسانة عسكرية قوية وهائلة، بل أنها تمتلك أسلحة نووية، وهي من تُهدد أمن دول وشعوب المنطقة، بل والسلم العالمي..!!
وإذا كان قادة (إسرائيل) لا يتعاملون مع السياسة إلا من نافذة طائرات (الفانتوم)، ومدافع دبابات (الميركفاه)، فهل استوعبوا الدرس من حربهم الحارقة الأخيرة على قطاع غزة!؟ رغم أن هذه الحرب نتج عنها قتل وجرح آلاف المدنيين الفلسطينيين، وتركت خلفها مليوني طن من الركام. ودمرت البيوت الآمنة والمدارس والمساجد والمكاتب الصحفية، والبني التحتية وغيرها!؟ وكان العالم جميعه شاهداً على الجريمة من خلال الفضائيات التي كانت تنقل أخبار المجازر والمحارق أولاً بأول.
وهل حققت غزارة وكثافة القذائف التدميرية "الأمن" (لإسرائيل) ولشعبها؟
وبالتأكيد فإن قادة (إسرائيل) لم يُغيروا مواقفهم المعادية لتحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة، لأسباب عديدة، منها الدعم الأمريكي اللامحدود لها على مختلف الأصعدة، وهوان الأنظمة العربية اللامحدود هو الآخر.
فحرب (إسرائيل) على لبنان عام 2006 أثبتت لها أن القوة العسكرية مهما بلغت في بطشها لن تستطيع تحقيق الأمن، فقد طالت صواريخ "حزب الله" عدداً من المدن والبلدات الإسرائيلية.
وجاءت الحرب الأخيرة على قطاع غزة، ورغم الحصار البري والجوي والبحري على قطاع غزة منذ عام 2006، ورغم كثافة النيران الإسرائيلية وقوتها التدميرية الهائلة، ورغم المراقبة المشددة من الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع دائمة التحليق فوق القطاع، ورغم أجهزة الرصد البرية والجوية والبحرية، إلا أن ذلك لم يمنع صواريخ المقاومة الفلسطينية _وهي في غالبيتها صناعة محلية بدائية_ من الوصول إلى مختلف المدن والبلدات الإسرائيلية.
فهل اتعظ أصحاب القرار السياسي في (إسرائيل) من ذلك؟ وهل ثبت لهم بطلان نظرياتهم "الأمنية"؟ فعلى سبيل المثال: هل حقق جدار التوسع الإسرائيلي الاحتلالي والمستوطنات الأمن والحماية للمدن والبلدات والشعب الإسرائيلي؟
ومع ذلك فإن (نتنياهو) وحكومتـه اليمينيـة بدلاً من الرضوخ لمتطلبات السـلام العادل الذي يحفظ حقوق دول وشـعوب المنطقـة، فإنهم وافقوا على وقف إطلاق النار والتهدئـة مع قطاع غزة، تحت ضغط المجتمع الدولي، وبدأوا حرباً مفتوحـة في الضفـة الغربيـة وجوهرتها القدس عاصمـة الدولـة الفلسـطينيـة العتيدة، تمثلت في مواصلـة مصادرة الأرض الفلسـطينيـة والبناء الاسـتيطاني عليها والاقتحامات والقتل وهدم البيوت.
إن الخطيئة التي ارتكبتها السلطة الوطنية الفلسطينية والدول العربية في المفاوضات تمثلت بقبول أمريكا كراعٍ وحيدٍ للمفاوضات، رغم معرفتهم المسبقة بعدم حيادية أمريكا وانحيازها الأعمى (لإسرائيل)، ورغم معزوفتها الدائمة بأن "أمريكا تقبل ما يتفق عليه الطرفان المتفاوضان" وما تحمله هذه المعزوفة من تجاهل للقانون الدولي وللشرعية الدولية بما فيها قرارات مجلس الأمن الدولي والتي سبق (لإسرائيل) وأمريكا أن وافقت عليها. ورغم معرفـة الجميع بأطماع (إسـرائيل) التوسـعيـة، وأنـه لا يمكن تحقيق السـلام تحت اختلال ميزان القوى بين المتفاوضين.
من هنا فإن أيّ مفاوضات قادمة يجب أن تكون من خلال مؤتمر دولي تُشارك فيه الدول الفاعلة في السياسة الدولية وتحت مظلة هيئة الأمم المتحدة والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. وكل الدلائل تُشير أن الظروف الحالية مهيأة لذلك إذا أحسن العرب استغلالها.
اقرأ أيضاً:
النصر الإسرائيلي في الحرب على قطاع غزة!/ الأسرى فخرنا ونحن عارهم!/ بدون مؤاخذة ثلاثة مساجد وثلاث مدن!/ بدون مؤاخذة ـــــ أمريكا ليست راعياً للمفاوضات/ هنا القدس...!