تقنية تدريب الانتباه أو التركيز Attention Training Technique هي إحدى الأساليب الحديثة في الموجة الجديدة من موجات العلاج النفسي المعرفي والني أطلق عليها اسم العلاج ماوراء المعرفي Metacognitive Therapy، وتقنية تدريب الانتباه (Wells, 1990) ببساطة هي مجموعة من تدريبات زيادة اللياقة العقلية Mental Fitness تتم بمساعدة المعالج النفسي أو حتى بمساعدة تسجيل صوتي حيث يتبع العميل التعليمات فيستمع إلى عدة أصوات في نفس الوقت مثلا صوت زقزقة عصافير وصوت دقات الساعة وصوت الأذان أو أجراس الكنيسة (أو غير ذلك من أصوات) ثم يتبع التعليمات محولا انتباهه وتركيزه بين الأصوات المتزامنة من صوت إلى الآخر بنمط منتظم.
ورغم كونها تقنية بسيطة نوعا إلا أنها تختلف عن أغلب تقنيات العلاج المعرفي المعتادة خاصة كونها واعدة بسعة مجالات استخدامها وتعدد طرق الاستفادة منها في أغلب اضطرابات القلق والاكتئاب والأعراض الجسدية، ذلك أن زيادة القدرة على توجيه وتحويل الانتباه تفيد في مساعدة طيف واسع من المرضى الذين تتمحور مشكلاتهم مثلا حول فرط التركيز على الذات أو الجسد أو على الانشغال بأفكار معينة أو مشاعر أو أحاسيس جسدية أو إشارات بيئية معينة فكل هؤلاء يمكنهم الاستفادة من زيادة سيطرتهم على الانتباه والتركيز بشكل عام (Wells, 2009).
ومن المعروف عموما أن التركيز المفرط على الذات يميل إلى جعل أعراض القلق والاكتئاب أكثر سوءا، بجعلها أكثر قدرة على اقتحام الوعي وأكثر شدة وضراوة، وغالبا لا يدرك الناس كيف أصبحوا أسرى لأنماط جامدة من الانتباه المركز على الذات والقلق والاجترار لفترات طويلة عن أنفسهم، وأفكارهم، ومشاعرهم. فنجد في مرضى اضطراب الهلع ووسواس المرض، على سبيل المثال، كيف أن التركيز بشكل مفرط على الأحاسيس الجسدية أو الأعراض هو عامل مساهم رئيسي في إمراضية الحالات. كذلك في حالات الاكتئاب، يميل الناس، على النقيض من ذلك، أن يفرطوا في الانشغال بالأفكار والمشاعر السلبية، مما يؤدي إلى فترات طويلة من الاجترار (المكتئب) على المشكلات، ومعروف إلى أي حد يساهم ذلك في انخفاض المزاج وتدني احترام الذات..إلخ (Siegleet al., 2007).
وتهدف تدريبات التركيز إلى زيادة اللياقة العقلية، والسيطرة على الانتباه، وليست تظهر فوائدها إلا بعد تدريبات منتظمة لمدة أسبوعين حتى أربعة (وربما ثمانية) أسابيع، وليست التدريبات سهلة كما قد يظن البعض وإنما تمثل تحديا للمتدرب يستطيع إن اجتازه أن يزيد ويطور قدراته وملكاته العقلية فيصبح قادرا على تركيز انتباهه وتوسيع وتضييق مجاله فضلا عن المرونة المتمثلة في القدرة على تحويل بؤرة التركيز والانتباه من هدف إلى آخر بسلاسة أكبر كلما مورست التدريبات أكثر، أي أنها تدريبات شاقة كتدريب العضلات ولكن العضلة هنا توجد في المخ (Wells, 2007).
ويعتبر تقليل التركيز على الذات وزيادة اللياقة العقلية والتحكم الواعي في الانتباه أحد أهم أهداف العلاج ماوراء المعرفي، وتشمل توجيه الانتباه إلى خبرات خارجية –بيئية- متنوعة بدلا من تركيزه على الجسد أو على خبرات جوانية كالأفكار أو المشاعر...إلخ، ولابد من تأكيد أن تقنية تدريب الانتباه ليست "استراتيجية مواجهة" مثل صرف الانتباه Distraction نستخدمها للتعامل مع الخبرات الجوانية (أفكار أو مشاعر) غير السارة بأن نصرف الانتباه عنها. بل هي تدريب مصمم لتحسين السيطرة على الانتباه، وجعله أكثر مرونة وأقل تعرقلا (Wells, 2009).
وحسب ويلز فإن جلسة تدريبات الانتباه تستغرق من 10-12 دقيقة مرة واحدة أو –من الأفضل- مرتين يوميا، لمدة تتراوح بين 2-4 أسابيع، وتتكون الجلسة من ثلاث مراحل:
1- الانتباه الانتقائي Selective Attention : وفيها يطلب من المتدرب لمدة خمس دقائق أن يركز على صوت واحد أو موضع واحد ضمن عدة أصوات متزامنة أو عدة مواضع ثم يحول انتباهه من صوت إلى آخر متخذا من بقية الأصوات ما يشبه الخلفية الذهنية الحاضرة.
2- الانتباه المتحول Switching Attention : وفيها يطلب من المتدرب لمدة خمس دقائق أن يقوم بتحويل انتباهه من صوتٍ إلى آخر بوتيرة أسرع فأسرع.
3- الانتباه الموزع أو المقسم Divided Attention : وفيها يطلب من المتدرب أن يقوم لمدة دقيقتين بزيادة اتساع وعمق انتباهه ليشمل أكثر من صوت معا على خلفية من الأصوات الأخرى.
وبالتدريج مع الممارسة اليومية لفترة يصبح التدريب أسهل إلى حد ما لكنه يبقى تحديا... إلا عند القلة من المتدربين الذين يجدونه سهلا لدرجة أنهم بعد فترة من الممارسة لا يشعرون بأنه يزيد قوة ومرونة انتباههم ولا بأنه يمثل تحديا لهم وفي هذه الحالات يمكن أن تزاد أصوات في الخلفية كصوت المذياع لجعل التدريب أكثر صعوبة وتحديا بحيث يستمر مفيدا للتركيز والانتباه، ومن المهم أن يبقى المتدرب عيناه مفتوحتين أثناء التدريب مع استقرار البصر على نقطة ثابتة.
وكما يقول ويلز فإن المطلوب من العميل هو ببساطة اتباع التعليمات خلال التدريب وتوجيه انتباهه وتركيزه كما يطلب منه. ومن المهم التأكيد على أن ملاحظة العميل للأفكار أو المشاعر المقتحمة، أو حدوث "انحرافات الانتباه" الخارجية، ليس دليلا على فشل التدريب أو تراجع المهارة، بل على العكس من ذلك، فإنه غالبا يكون مفيدا، إذا تمكن الشخص من تقبل تلك الخبرات الخارجية أو الجوانية مع عدم الاكتراث الإرادي، فذلك يوفر له فرصة إيجابية لتكرار تقبل وجود تلك الخبرات ولكن بطريقة لا مهتم أو لا مكترث، مع الاستمرار في اتباع تعليمات تقنية تدريب الانتباه.
وتسمى حالة التقبل بلا اكتراث أو اهتمام حالة الوعي التام المنفصل Detached Mindfulness وتشمل عدم فعل أي شيء (كمحاولات القمع أو المنع أو التحييد ..إلخ) استجابة لخبرات جوانية أو خارجية اللهم إلا تقبل وجودها كضوضاء في خلفية الوعي، ويختلف هذا عن صرف الانتباه الذي كثيرا ما يلجأ له الناس في مواجهة الخبرات العقلية المزعجة، في أن الغرض ليس الهروب من مواجهة تلك الخبرات بصرف الانتباه عنها وإنما الغرض هو تدريب وتقوية سيطرتك على انتباهك وتركيزك (Wells, 2009).
ويشمل جزء من التقنية التدرب على الإنصات للأصوات القادمة من مواضع بعينها مثل من جهة اليمين أو من الغرفة المغلقة أو من الخلف ...إلخ، وليس مهما أن تسمع صوتا أو أصواتا وإنما المهم أن تجعل بؤرة انتباهك وتركيزك على ذلك الموضع محاولا سماع أي صوت قادم منه.
ويفترض أن تتم ممارسة التدريب في أوقات المزاج المعتدل والهدوء وليس في أوقات التوجس والقلق أو الضيق وذلك كي لا يخطئ البعض محاولين استخدامه كأداة صرف انتباه Distraction بعيدا عن الخبرات المزعجة، وأخيرا من المهم التنبيه إلى أن بعض الناس قد يواجهون مشاعر غير عادية بعد التدريب ولكنها عادة عابرة وغير ضارة، مثل شعور طفيف بالارتباك أو زيادة الحساسية لخبرات معينة (Wells, 2009).
المراجع:
1- Wells A. (2009) Metacognitive therapy for anxiety and depression. NewYork: Guilford Press; 2009.
2- Wells, A. (1990) Panic Disorder in Association With Relaxation Induced Anxiety: An Attentional Training Approach to Treatment, Behavior Therapy, 21, 273-280
3- Siegle GJ, Ghinassi F, Thase ME. Neurobehavioral therapies in the 21st century: Summary of an emerging field and an extended example of cognitive control training for depression. Cognitive Therapy Research. 2007;31:235–262.
4- Wells, A (2007): Cognition About Cognition: Metacognitive Therapy and Change in Generalized Anxiety Disorder and Social Phobia. Cognitive and Behavioral Practice 14 (2007) 18—25.
واقرأ أيضا:
العلاج ماوراء المعرفي / اليوجا، وما وراء المادة: قاعدة الانتشار في الفراغ / اضطراب الوسواس القهرى وماوراء المعرفة
التعليق: ممتاز أكثر من رائع يا دكتور وائل لكن كل ده كلام نظري نفسي أشوف التدريبات دي في الجلسات مع حضرتك ولا ما تقول لي أعملها ازاي لوحدي في البيت
وما هي الأصوات المفروض أسمعها (يا ليت يا دكتور أنا محتاجة التمرينات دى قوي لأني أعاني من مرض اضطراب الشخصية المختلط)