كم من قصص حب عاشت داخل النص! نضجت بين سطوره، وخلدتها دفتاه، بينما عجز الواقع بإحباطاته المعهودة وإشكالياته الساذجة أن يحتويها ويكتب لها الخلود، ذلك حين أضاف الحرمان أبعادا رومانسية ولعب الخيال دورا عبقريا جعل أصحابها يتشبثون بتلابيب قصصهم ولا يقبلون عنها بديلا.
فحين ضاقت الدنيا بحب رامي ووقفت الأسباب بينهما اتسعت قصائده لكل تلك المعاني التي عبرت بإعجاز عن روعة الحب ولوعة الفراق.
ولا يمكن لشاعر مهما بلغت شاعريته وتمكنه أن يسطر بيتا واحدا في قصيدة كالأطلال إلا عن تجربة لوعته وحرمان أطاح بآماله -حيث سافر إبراهيم ناجي ليكمل دراسة الطب بعد أن وعدته حبيبته بالانتظار إلا أن ضغوطا مورست عليها جعلتها تقبل الزواج بآخر لينظم قصيدة الأطلال ويكتب بها لحبه الخلود.
والنص ليس شعرا أو نثرا فقط بل قد يمتد إلى ألوان الفنون الأخرى، فعلى الرغم من اضطرار الفنان أحمد صبري إلى تطليق حبيبته إلا أن صورة لها كان قد رسمها ظلت من أروع أعماله وأشهرها كان اسمها (خلود الحب) وضعت في متحف باريس.
ولقد ظل بيتهوفن يذكر حبيبته ويهدي إليها كل أعماله حتى آخر لحظة في حياته ويردد إنه يفكر فيها وبعاطفة واحدة لم تتغير.
فماذا لو أن الحكاية بسيطة والقصة سهلة واللقاء ليس عسيرا؟
إذن لانطفأت جذوة الحب وحتى لو كتب له الاستمرار لكان هادئا ولا أريد أن أقول فاترا.
وربما كشفت السنوات القادمة فضل النص في خلود قصص حب أخرى عجز الواقع عن استيعابها، وهنا أذكر صديقتي التي ما إن بات شبح النهاية واضحا وجاء إصرار الأهل قاطعا نحو الفرقة اتفقت وهو أن يتقابلا في الأول من يناير كل عام في مكان ما بقلعة صلاح الدين ولتظل دائما المسافة بين الموعدين أرض خصبة لنمو الحب وتجديد دماء الخيال الخصب، ورغم عدم التزام الحبيب إلا أن إلتزامها لمدة تجاوزت الأعوام العشر جعلها تكتب رواية نسجت أغلب أحداثها في ساعات الانتظار حين خاض الخيال فيما عجز عنه الواقع.
أما هذا الذي كان ضمن حضور ندوة لمناقشة بعض الأعمال الروائية الجديدة فاستوقفته بعض العبارات لتضيء في ذاكرته منطقة ما!! فتلك العبارات سمعها منذ أكثر من عشرين عاما لفتاة كانت تصغره بنحو عشرين عاما أخري وفضل الانسحاب رغم كل الحب الذي جمع قلبيهما تحسبا لهذا الفارق إلا أنه لم يتخيل أن يظل قابعا في قلبها كأن لقاءهما كان بالأمس القريب.
ويتردد في الاقتراب منها معلنا هويته خاصة أنه لم يعد هو نفسه ولا هي نفسها فينسحب من جديد مكتفيا بزهو مشاعره وقدراته الفائقة على الحياة داخل نص بتلك الروعة؛ فلنشكر جميعا النص العملاق الوحيد في احتواء الحب وخلوده.
ويتبع >>>>: السعادة ممكنة - متى يصبح المفعول به فاعلا؟!
واقرأ أيضا:
في حضورِ هذا الحبِّ لا تغيبُ الكواكب / الحب وجنون الحب / حوار مع زوجة فيلسوف