الأرض يحررها الإنسان صاحب العقل الحر، لا العقل المُستعبَد بالضلال والبهتان والمُفترَس بالهذيان، المدحور في نفسه التي تسخره لغاياتها الانفعالية العاطفية العمياء. فالإنسان طاقة عليها تحقيق الانسجام الداخلي والتواؤم الفعال مع عناصرها الذاتية والموضوعية، للوصول إلى مرحلة الإنجاز الحضاري المؤزر بالتلاحم التفسي والعاطفي الخلاق.
فما يتحقق في واقع المجتمعات التي تتهاوى جيوشها أمام الحركات المسلحة سببه فقدان الانسجام وضبابية الرؤية وتشوهها، مما جعل البشر في مأزق واضطراب وتفاعل سلبي مجهول الهدف، لأن الحكومات فقدت مقومات القيادة وتقديم القدوة القادرة على الإتيان بأجوبة مطلوبة وملحة، تستدعيها الحاجات القائمة والتفاعلات المحتدمة ما بين قِوى ناهضة ذات رؤية معتقة ومدروسة وراسخة، وأخرى حاكمة بلا رشاد أو بوصلة لتحديد مساراتها وأهدافها، وإنما هي حكومات ردود أفعال، وكأنها القشة المستسلمة لإرادة الأمواج الصاخبة.
ومن الواضح أن العقل المندفع بطاقاته المؤججة وفقا لبرامج محلقة في فضاءات اليقظة التعبوية التي تغذي الحاجات المدثرة بالحرمان والقهر والإهمال، سيكون أكثر قدرة على إبداع الوسائل للوصول إلى أهدافه، التي يرى بأنها ستجعله متمكنا من نيل حاجاته المكبوتة المؤجلة والمخنوقة أو المضعوطة.
وفي هذا الخضم التصارعي المضطرب، تدخلت عوامل وقوى لها تطلعات بعيدة، وأخذت تستثمر في تحريك مسارات القوى وتفاعلاتها ووفقا لخبراتها وإرادتها، للوصول إلى القبض على عنق جميع القوى المتفاعلة في ميادين الصراع بأنواعها المكانية والزمانية.
ووفقا لذلك أصبحت التداعيات سريعة ومتماثلة في أساليبها وكيفيات تطورها، ووصولها إلى نتائجها الحتمية المفاجئة والمدمرة، والمتفوقة على معظم التوقعات والاستنتاجات، وهذا يعني أن الذين يديرون اللعبة متنوعون ومتعددون، ويسعون إلى خلق حالة من التشويش والاضطراب، للحصول على أقصى ما يمكنهم من المنافع والاستثمارات، التي تزيدهم قوة وقدرة على الهيمنة والامتلاك؛ ولهذا فإن ما يجري في المنطقة العربية سيتحرك وفقا لتنسيق دقيق نحو أهداف ذات طبائع مرعبة، ونهايات مروعة وبأساليب غريبة ومبتكرة، تتسبب في تطورات ذات متوالية تدميرية عالية الشدة والانقضاض.
وليس من السهل التحرر من قبضة الافتراس، إلا بإعادة تشكيل العقل وترتيب آليات مداركه ووعيه، وتعبيره عن القدرة على فهم معايير المصلحة، ووعي عناصر النجاح الحضاري المطلوب؛ للوصول إلى تحقيق التوازن ما بين إرادته والتحديات الحافة به.
ولن يتغير الحال وتتطور الأوضاع للأصلح والأنفع، إلا ببناء العقل المتوافق مع زمانه ومكانه، وعدم إغفال الحاجة لتنقيته من مفردات قتل الذات وسحق المُراد!!
واقرأ أيضاً:
تساؤلات في زمن محموم!! / السلوك الطائفي!! / الدماغ العالمي!! / مَن يحكمنا؟!!