في هذا العصر الكثير من المسميات تبدأ بالحرف (إي) الإنكليزي، وكما تعرفون فنحن نعيش مرحلة (إيبولا) الفايروسية المترافقة مع ترهيب وتخويف إعلامي دعائي غير مسبوق، حتى أصيبت العديد من المجتمعات بوسوسة أو هستيريا (إيبولا)، التي تتسم بالرعب والقلق والشعور بأن الموت يحف البشر أينما حلّ أو رحل.
وكأن وسائل الإعلام تتناسى بأن البشرية قد عجزت عن مواجهة مرض التدرن الرئوي، الذي يقضي على أكثر من مليون شخص كل عام، والملاريا التي تقتل ما يقرب من ثلاثة أرباع مليون شخص سنويا، ومرض نقص المناعة، والإنفلونزا، وذات الرئة، والالتهابات البكتيرية والفايروسية المتنوعة.
فالبشر في معركة ضارية مع المكروبات المتنوعة، وخصوصا الفايروسية، وغيرها مما لا يُعرف عدواه وعُقباه!!
وقد تبين بأن أجسامنا لا يكاد يخلو أي جزء منها من الجراثيم التي تعيش فينا، وربما حتى في رؤوسنا، وتلك حقيقة بدأت تتضح من خلال دراسة الحوامض الأمينية، التي أظهرت تواجد المكروبات في كافة أرجاء البدن.
فالجراثيم بأنواعها تهاجمنا وتقتلنا، وتصيبنا بأمراض فتاكة، وهذا هو ديدنها منذ بدء الخليقة، لكن النوع البشري بقي وتواصل لقدرته على إنتاج الأجسام المضادة لسمومها والتسلح بالمناعة ضدها، حتى جاء القرن العشرون، وأخذ الناس يعرفون عنها الكثير ويبدعون الأدوية القادرة على محاربتها وإبادتها في أجسامنا عندما تتكالب وتنشط وتبث سمومها، وتعلموا كيفيات الوقاية منها، وتأهيل أجهزة المناعة باللقاحات.
وكان اكتشاف البنسلين كمضاد حيوي، ثورة في مكافحتها وعلاج أمراضها، وقد بدأ استعماله في النصف الثاني من القرن المنصرم، لكن هذه الجراثيم عنيدة، فأخذت تقاومه بإنتاجها لأجيال لا تتأثر به، ومضينا في اختراع ما يساعد على القضاء عليها، لكنها تزداد عنادا ومقاومة، حتى لتجدنا اليوم أمام أجيال لا تتأثر بالمضادات الحيوية، وتشكل خطورة كبيرة، كما في عصيات السل التي لا تتأثر بالعلاج، وبعض أنواع البكتريا الأخرى.
ومن المعروف أن موجات الهجوم الكاسح في مواسم معينة، لهذه الجراثيم والمكروبات، قد كلفت البشرية ملايين الملايين من الأرواح عبر العصور، فموجات الطاعون كانت تحصد البشر الذي تلوحه، والأمراض الأخرى كالحصبة والجدري والخناق وشلل الأطفال والإنفلونزا، وغيرها العديد من الأمراض التي تقتل البشر وتبيد أعدادا غفيرة منه في وقت قصير.
ولا تزال البشرية تعاني من مشكلة الأوبئة، وما تتسبب به من خسائر وتداعيات نفسية واقتصادية وصحية قاسية، ولا يختلف السيد (إيبولا) عن غيره من الآفات الفايروسية والجرثومية الأخرى التي تفترسنا، لكنه حظي باهتمام إعلامي منقطع النظير، وبموجة رعب مدوية في أصقاع الدنيا.
فهل هذه حرب نفسية، ومحاولة للسيطرة على البشر بآلة الرعب، وكأن الأرض قد طفح كيلها، وراحت تميز غيظا وغضبا على البشر الذي تجاوز تعداده السبعة بلايين* بكثير، وأنه لا يتراحم، بل يساهم في قتل بعضه أكثر مما تقتل منه جميع الآفات التي تقاتله على مر التأريخ، فإحصائيات قتلى الحروب في القرن المنصرم تجاوزت مئات الملايين.
فالبشر في حقيقة سلوكه المعاصر أشد ضراوة من السيد (إيبولا)، وأفظع توحشا، ويبدو أن الوسيلة الأفضل للهروب من الحرب العالمية الحتمية، هي بتسليم رايتها للسيد (إيبولا) وأعوانه، لكي يحصدون من البشر ما يروق لهم، حتى تشبع الأرض ويهدأ غضبها، فترتاح وتريح مَن بقي على ظهرها من الناس.
تلك معادلة صعبة، وسلوك أرضي مرعب، فالأرض لا تهدأ إلا بحرب عالمية في بداية كل قرن ومنتصفه ونهايته، وهي مدمنة على افتراس الأبدان وشرب النجيع القاني، الذي يزيدها غثيانا في رقصة الدوران الأبدية!!
*حتى وقت كتابة المقالة مات هذا العام أكثر من 46 مليون إنسان، وولد أكثر من 111 مليون إنسان، وعدد سكان الأرض (7،268،998،350) وهو في ازدياد مضطرد!!
واقرأ أيضاً:
السلوك الطائفي!! / مَن يحكمنا؟!! / قلْ تفرّط ولا تقل تطرّف!! / أقلامنا تقاتلنا نفسيا!!