أقلامنا تشن علينا حربا نفسية شعواء، ولا ترى أو تستيقظ من هذا الغثيان الإبداعي السلبي، الذي يطمر الأمل في أوحال اليأس، والتفاؤل في رمال القنوط، ويلقي بالناس في كهوف المخاوف ووديان الرعب، ويصعقهم بعواصف التضليل والبهتان.
أقلام تكتب بانفعالية عالية، وبمداد العواطف المُستثارة، والتجارب الشخصية التي صنعت آليات الرؤية والتفكير المنحرفة، وتمرست في خنادق آسنة، وأنفاق طويلة ظلماء، وتحجّرت في لحظة زمنية ومكانية عسيرة، فأخذت تنتقم لنفسها من الآخرين، وتحسب ما تفعله إبداعا وكتابة وغير ذلك، وإن نبهتها، انفجرت بوجهك كالبالونات المختنقة بما فيها من الإحباطات المضغوطة، المتأهبة للانطلاق.
وهذه الأقلام تساهم في شن الحرب النفسية القاسية على وجودنا، وتسعى لتدمير كياننا وحياتنا، وتبني المَصدات، وتضع العثرات في طريق مسيرتنا كبشر يريد التعبير عن إنسانيته وأفكاره الصالحة للأفضل.
ومَن يقرأ ما تكتبه الأقلام في الصحف والمواقع، وما تبثه محطات الإذاعة والتلفزة، وما يدور في ميادين التواصل الاجتماعي، يجد الكثير من مواد وآليات الحرب النفسية السارية والمُعدية، المهيمنة على التفاعلات والنقاشات والتواصلات، وهذا يعني أن الكثير من الذين يرَون بأنهم كتاب وأصحاب قلم، يشاركون في الحرب النفسية على البلاد والعباد.
ومعظم الأقلام لا أظنها تفعل ذلك عن قصد، وإنما بلا دراية وتحسّب واحتراس، ولنسيانها أن الكلمة مسؤولية، والكلمة الطيبة صدقة، والخبيثة شر وعدوان وامتهان للآخرين، فقد تتسبب الكلمة في مواقف وتداعيات، وتفاعلات خاسرة، وتبدد الطاقات، وتشوش التفكير، وتصنع مواقفَ معادية للذات والموضوع.
وأحد أهم الأسباب التي تساهم في هذه الكتابات هو عدم التأني، الذي يصنع ردود أفعال إنعكاسية بحتة، وفقا لبوصلة الانفعال، والتأثر بما تقوم بنشره وسائل الإعلام المغرضة والموجهة بهذا الخصوص، لتأكيد ديمومة الإنهيار النفسي، وهيمنة الرعب وسيادة الخوف، والشعور بعدم الثقة بالنفس، وفقدان الأمل وتوالي الإحباطات، وترسيخ الشعور بالهزيمة الماحقة ، والانكسار المقيم، وأن الحياة تتأسن في نفق لا ضوء في نهايته، ولا بد من التخندق والتفاعل المهين المشين، الذي يعزز آليات التعادي والصراع المُستنزف للطاقات والمُدمر للقدرات.
ولكي يتحقق المستقبل المعاصر، والتفاعل الواعي الحضاري النافع، لابد للمواقع والصحف ووسائل الإعلام أن تتوخى الدقة والتقييم لما تنشره، وتقدّر آثاره السلبية على الوطن والمواطن، ولتبتعد عن نشر الكتابات الضارة المتطرفة، تحت لافتة حرية التعبير عن الرأي، فهذا ليس تعبيرا عن الرأي وإنما عن الشر، فلا يوجد في المجتمعات الديمقراطية حرية في كتابات المواضيع الداعية لتدمير البلاد وسبي العباد، وتحطيم الكيان وقتل التفاؤل والأمل، هذه الكتابات تعتبَر عدوانية ومناهضة لسلامة وأمن المجتمع والبلاد، وقد يحاسب عليها القانون.
فهل وجدتم مقالة في صحف المجتمعات الديمقراطية، تدعو للشر والعدوان وتمزيق المجتمع وتدميره.
هل وجدتم مقالة طائفية تتحدث بذات المفردات الشائعة في الكثير من الكتابات المنشورة عندنا؟
فما تحقق في مجتمعاتنا ربما أسهمت العديد من الأقلام في ديمومته وتأجيجه وتطويره، لأنها لا تكتب وفقا لمناهج العصر، ولا تبحث وتدرس وتدقق، وتحسب المقالة من وحي خيالها وعواطفها وانفعالاتها وحسب.
وفي هذه المرحلة من الأفضل أن نتوخى الدقة والحذر، ونؤكد الشعور بالمسؤولية فيما نكتبه ونراه ونتصوره، ونستخدم الوسائل المعاصرة في البحث والاستقصاء الصادق النزيه للموضوع الذي نريد الكتابة عنه، لكي تكون أقلامنا نافعة آسية، تطبب الجراح وتملأ النفوس بعطر المحبة وأريج الأمل والتفاؤل، وتعزز الشعور بالثقة والقدرة على بناء الحاضر والمستقبل، والانتصار على التحديات التي تواجه الإنسان والمكان.
وتمدّ العباد بطاقة الحياة الحرّة السعيدة الآمنة، فالعديد من المجتمعات قد مرت بظروف أقسى من الظروف التي تمر بها مجتمعاتنا، لكنها تعافت منها، وانتصرت على أسبابها، وصنعت حاضرها الأقوى والأحسن، وأمامنا الاتحاد الأوربي الذي تفاعلت مجتمعاته بإيجابية معاصرة، بعد أن أمضت معظم تأريخها في حروب وصراعات مدمرة لبعضها البعض.
وفي الختام لنتأمل هذه الآيات والأحاديث والأقوال!!
"ن، والقلم وما يَسطرون" القلم:1
"الذي علّم بالقلم" العلق:4
"...كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء" إبراهيم:24
"والكلمة الطيبة صدقة" حديث نبوي.
"أيها الكاتب ما تكتب مكتوب عليك، فاجعل المكتوب خيرا فهو مردود إليك" علي بن أبي طالب
واقرأ أيضاً:
السلوك الطائفي!! مَن يحكمنا؟!! / قلْ تفرّط ولا تقل تطرّف!! / حرب (إيبولا) وما وراءها!! / الحرب النفسية القاسية!!