العلاقة بين النفس والمكان علاقة تفاعلية تكاملية، ولا يمكن فصل النفس عن مكانها وتجريدها من كيانها الموضوعي واعتبارها وجودا ذاتيا مجردا من المؤثرات المحيطية. فعندما يتحطم المكان تتحطم النفس!! والضربات التدميرية لهيئة المكان تحقق تحطيما عظيما للنفس المتصلة به. فتدمير أي رمز في المدينة أو البلد مهما كان نوعه، كمعبد ومرقد وتمثال، وبناية وصرح عمراني آخر، يساهم في تدمير النفس التي تفاعلت معه وترعرت فيه أو حوله.
وما يحصل في مجتمعاتنا هو تحطيم النفوس بتحطيم المكان، وهذا يتحقق في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها من الدول التي تقع تحت طائلة مطرقة تحطيم النفوس وطحنها في رحى الوعيد والاضطرابات والأعمال ذات الطاقات الانفعالية الشديدة القاسية. إن الذي يجري يمتلك طاقات انفلاقية مروعة، تجعل الكثير من أبناء المجتمع قدرات وقوى ذات مساهمات فائقة في تحطيم النفوس، وإعادة تشكيل آليات تفاعلها وفقا لمقتضيات مصالح المُفترسين، المتطلعين إلى إدامة نزيف الضحية، وتمَحُّنِها بين أنياب الضواري والجوارح والمتأسدين. فعندما تتحطم المدن، كما يجري في العراق وفقا لخطط وألاعيب مدروسة، تتحطم نفوس أبنائها، ولن يكونوا كما كانوا قبل الحطام المادي لمدينتهم، وبهذا يتم صناعة النفوس المكبلة بالمشاعر السلبية، القادرة على تأجيج الصراعات وإدامة ناعور الويلات.
وذات الأسلوب تحقق في تفجير المعابد والجوامع والحسينيات والأضرحة والكيانات الرمزية التاريخية، فاصطخبت بعدها النفوس التي تحطمت متوهمة بأنها سترمم ذاتها المتناثرة بسلوكها الانفعالي الانعكاسي المطلوب والمتوقع، والذي تنتظره مواقف وسلوكيات معدة لتأجيجه وإيصاله إلى أقصاه الحطامي.ولكي يتم إعادة بناء النفوس لا بد من العمل الجاد والسريع على إعادة بناء المكان بأحسن مما كان، وبسواعد أهل المكان لكي يكتسبوا قدرات صناعة الأمل ومشاريع الحياة الأفضل، فجراح النفوس تلتئم كجراح الأبدان، لكنها تحتاج إلى تفاعلات مكانية وقدرات تواصلية، وإصرار على الصيرورة الأفضل وتجاوز أسباب الجراح، وذلك يكون بالعمل المكاني الجماعي المعزز بقدرات المجتمع بأسره.
فالمجتمعات الأوربية أثناء الحرب العالمية الثانية تحطمت أماكنها ونفوسها، لكنها شمرت عن سواعدها، وأعادت بناء وجودها المكاني والنفسي، وانطلقت في مسيرة صناعة الحياة، وهذا ممكن في محتمعاتنا إذا أدركت القيادات أن البناء المكاني هو الأساس لبناء النفوس القوية الآمنة، المستقرة القادرة على تحقيق الأفضل في مسيرتها المعاصرة. نعم النفوس يمكنها أن تُداوى وترمَم ويُعاد بناؤها، مثلما يتم ترميم أي بناية وإعادة بنائها، فعليكم ببناء المكان وجماله وروعته، لكي تستعيد النفوس علاقتها الإيجابية بمكانها وتكون أروع مما كانت!!
واقرأ أيضاً:
قلْ تفرّط ولا تقل تطرّف!! / حرب (إيبولا) وما وراءها!! / الحرب النفسية القاسية!! / هجرنا وهاجرنا!!