لم يكن من المتوقع أن تحصل هجمات تفجيريّة ضد قيادات فتحاوية داخل قطاع غزة، وبهذا الكم والشكل، وفي هذا التوقيت بالذات، والتي بدت وللمرة الأولى كسابقة، منذ وقوع أحداث عام 2007، حيث كانت آخر مرة وقعت فيها حوادث مماثلة خلال الاشتباكات التي اندلعت في ذلك الوقت، والتي أساءت للفلسطينيين ككل قبل حركة فتح نفسها، بما في ذلك حركة حماس التي أصابها بعضاً من العذاب، كونها شكلت حرجاً أكثر، على الرغم من تسليمها مقاليد السلطة لحكومة التوافق التي تم تشكيلها أوائل يونيو/حزيران الماضي، على الرغم من إصدارها بياناً رسمياً أعلنت فيه عن استنكارها للتفجيرات، ووصفتها بالإجراميّة، ودعت للتحقيق وملاحقة المتطورين وتقديمهم للعدالة، وطالبت القوى والفصائل الفلسطينية، لإدانة الفعل وتوحيد المواقف والتضامن مع فتح، وأبدت بالمناسبة رغبتها في المضي قدماً في مسيرة المصالحة إلى النهاية.
في حين أن لا صاروخ غادر إلى إسرائيل، فإن ما لا يقل عن 10 انفجارات هزّت أركان القطاع، وفي وقتٍ واحدٍ تقريباً، لم يكن المقصود منها الإضرار بالممتلكات أو الأشخاص، بقدر ما هو مقصود منها إرسال رسالة شاملة لضرب المعنويات لدى القوّتين المتصالحتين (فتح وحماس) والحكومة بشكلٍ عام، التي كانت على وشك المجيء إلى القطاع لمتابعة أعمالها التي اختطتها لنفسها، وعلى رأسها طي آثار الانقسام واستعادة الحياة الطبيعية في القطاع والضفة الغربية كوحدة وطنية واحدة.
معها الحق حركة فتح في أن تظهر غضبها ضد التفجيرات التي استهدفتها، بسبب أنها غادرة وغير وطنيّة ولا منطقية، وتنسف ركائز عملية إنهاء الانقسام والمصالحة، ولكن ربما لم يكن داعياً أبداً في مسارعتها في تحميل حركة حماس المسئولية، ولا حتى إلقاء اللوم عليها من أول وهلة، بسبب أن مسألة التحميل تكون بناءً على معطيات وركائز تقوم على نتائج تحقيق ملائمة، وثانياً، أن هناك أعداء ظاهرين – إسرائيل- التي رفضت المصالحة من أول الأمر وما زالت ترفضها إلى الآن بحجة أنها أنشأت حكومة إرهابية وسياسة معادية لها، وأعداء باطنين أيضاً، وهم العملاء، والذين لا يروق لهم استقرار القطاع ونمائه وتطوره. وحتى منشورات الدولة الإسلامية التي تواجدت في المكان، ليست بالضرورة أن تكون صحيحة، سيما أن من السهل على أيّة جهة مُعادية، وبقوّة المخابرات الإسرائيلية، طبع المزيد منها والتحدث بلسانها.
حركة فتح تعلم أن المنتفع الوحيد من هذه التفجيرات هي ليس حماس ولا الدولة الإسلامية، وإنما إسرائيل هي المنتفعة الوحيدة وبشكلٍ جاد، وسواء لغرض نسف المصالحة وتعميق الشق الفلسطيني من جديد، أو للتغطية على النشاطات الاستيطانية، أو لإشغال الكل عن الأحداث الدامية الحاصلة الآن في القدس والمسجد الأقصى، التي تلقت إسرائيل بسببها العديد من المتاعب داخلياً من اليمين واليسار الإسرائيليين، وأخرى خارجية وخاصةً من الدول العربية التي تنشئ معها علاقات سلام شاملة ومنها مصر والمملكة الأردنية.
لقد نجحت التفجيرات إلى حد الآن، في توصيل رسالتها وبسرعة، وتمثل نجاحها في إرجاء حكومة "الحمد الله" ربما إلى إشعار آخر أو إلى عدم المجيء بالمطلق، وهذا من شأنه أن يوثر على عملها أو يعرقله تماماً، وإغلاق الطريق أمام وزيرة الخارجية للاتحاد الأوروبي التي كان من المفترض مُرافقة الحكومة لتطوير العمل بشأن إعمار القطاع،
إضافةً إلى تجاحها في عودة مسلسل الاتهامات المتبادلة بين الحركتين المتصالحتين، سيما وأنهما ممتعضتان الواحدة من الأخرى، بسبب نشاطات معادية، ضاعفت حِدة التوتر بينهما، برز خلال نشاطات السلطة الفلسطينية في الضفة بشأن اعتقال المزيد من قادة ومناصري حماس، وملاحقة مطلوبين تابعين لها، وبالمقابل ما فتئت حماس تشن هجومات مختلفة على السلطة وحركة فتح تحديداً، بدعوى قيامها بقمع المقاومة ومنع انتفاضة ثالثة، وبالمحاولة في إفشال المصالحة من خلال تقييد عمل الحكومة أو إرغامها ببرامجها السياسية التي تؤمن بها فقط بمعزل عن متطلبات المرحلة.
على الجميع – فتح، حماس، الجهاد الإسلامي، فصائل أخرى- وحكومة الوفاق الوطني بشكلٍ خاص، معرفة أن هناك تحديات جمّة في الطريق، وليست كأيّة تحديات، والتفجيرات هذه لن تكون نهائية، وربما هناك أمور سياسية ستأتي لاحقاً، ستكون أعمق وأبلغ أثراً، ولهذا يجب أن يستمر الكل على حرصٍ ووعيٍ دائمين، بالتوازي مع السير نحو التطلعات الفلسطينيّة الممكنة، لأنه إذا بقيت الأمور على هكذا منوال، عرقلة نشاط الحكومة، وتبادل الاتهامات، تصيّد المواقف، وركوب الموجة الخطأ، فإن انفجاراً داخلياً تالياً – أعنف- سيقع لا محالة، وهذا بالتأكيد ما لا نرجوه.
خانيونس/فلسطين
7/11/2014
واقرأ أيضا:
حروب إسرائيل الاستباقية!/ رحيل تشافيز.. في الفكر السياسي الإسرائيلي!/ صهيونية آيلة للسقوط.! / إسرائيل تسوّق إنسانيتها!/ القوّة وحدها لا تُعيد الهدوء والاستقرار!!