العالم يعيش عصر الذوبان، والعرب يعيشون عصر الجليد!! تلك حقيقة ما يدور في هذه الدنيا التي تعاصرنا ولا نمتلك قدرات معاصرتها. الأعداء صاروا أصدقاءً، فالدول الأوربية اتحدت وتناست تاريخها الدامي الطويل، وأعلنت أن مصالحها المعاصرة والمستقبلية توجب عليها الاتحاد والتفاعل الإيجابي. وأمريكا تناست مسيرة الخمسين سنة من التفاعل السلبي مع كوبا، وستذوب معها في بوتقة التفاعل المتطلع إلى التكامل المتنوع، والمسير نحو آفاق جديدة ذات قيمة حضارية نافعة للناس في البلدين، ولربما سيتحقق الاتحاد الكوبي الأمريكي، لأن المصالح تقتضي الإقدام على تفاعلات لا تخطر على بال وخارجة عن المألوف.
وفي المقابل ترى المجتمع العربي يتجمّد ويجلد نفسه، ويتحول إلى صخور ثلجية متصلدة تأبى الذوبان، وتميل إلى التناطح والتكسر والانحشار في حفر وشقوق الباليات. وبين عالم يذوب ويتألق ويرفل بحلل الإبداع والابتكار والبناء، ويتباهى بالألوان الزاهية البراقة المتضاحكة مع نور الشمس. وعالم يقضي على جميع الألوان، ويسود فيه اللون الأسود الذي يمتص جميع الألوان، تُعرف حجم الويلات وطول المسافات وآليات التفكير والوعي والتواصل والإدراك.
عالمنا العربي المتجمد المحنط المدثر بالزمهرير، الذي يشل الحركة ويشوّه الرؤى، ويملي تصورات واعتبارات عتيقة تتسبب في ولوج أنفاق المتاهات والكهوف القاسيات، والاندحار في غوابر الماضيات المريرات الجاثمات على رؤوس الجلاميد الغاطسة في مستنقعات الشرور والسيئات. فلماذا يتجمد العرب وتسعى للذوبان ببعضها المجتمعات الأخرى؟ لماذا تتحرك إرادة الحياة نحو خط الاستواء المعاصر، وتهرب الإرادة العربية إلى مواطن التطرف والقطبية الحمقاء الكاتمة على جميع الأنفاس؟!
فلا مكان ودور للجليد في أوعية الذوبان العولمي، ولا عاصم اليوم من الغرق في نهر العصر الدفاق. وإذا حسب العرب أنهم سيعصمون وجودهم بالاندحار في الغابرات، فإنهم على وهم عظيم، لأن طاقات جريان أنهار الذوبان العالمي ستصل إلى جميع الجحور والأنفاق والكهوف والحفر والمغارات. فهل سيستيقظ العرب، ويذوبون في ذاتهم العربية وموضوعهم، ويتحدون لبناء مسيرة حضارية صالحة للأجيال؟!!
واقرأ أيضاً:
الأوطان موجودات أرضية لا كيانات سياسية / نهر النيل الجديد!! / عصرنا الأظلم؟!!