أمّةٌ وُلِد فيها سيّد الكائنات وحبيب رب الأكوان أجمعين، يرفع مشاعل "اقرأ"، فأخرجها من الظلمات إلى النور. وفي يوم ميلاده الكريم، تجدها أمة لا تقرأ، ولا تعمل بمعاني رسالته الرحيمة الهادية للطريق الصالح المبين، المنوّر بالرحمة والمحبة والرأفة، والعطف الإنساني المطلق على كل مخلوق فوق التراب. أمة وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، تتحول مجتمعاتها إلى جمرات انفعالية عاطفية عمياء تتصادم وتتقادح لتستحيل رمادا، وهباءّ منثورا.
هذه الأمة لا تملك إلا الأقوال والمديح، وترديد ذات الكلمات، وما تعلمت كيف تعمل بدينها السليم، وإنما حشرت الأفكار والتهيؤات والتكهنات في جوهر الدين، حتى أصبح المسلمون لا يعرفون من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه، فأعمالهم تذبح الدين على مقصلة التلاحي والجهل بالدين. كانت الأمة تتناطح بكل ما فيها من مسميات وتوصيفات، وتتبع الأهواء وتعمه في الضلال، وقد عادت إلى دون ما كانت عليه، قبل أن تتنور قلوب أجيالها بأنوار السماء. وهكذا ترانا نسمع أقوالا عن سيرتك المعطرة، وأعمالك السامية، وما نجد فعلا من حولنا يشير إلى أننا نعرف ديننا.
يا رسول الله، المسلم يقتل المسلم بدم بارد، ويكفّره وينتهك حرماته ويُهجّره ويخطفه ويمتهنه ويعاديه، وفقا لأفكار الغلو والتطرف والعدوان. يا رسول الله، النفس الأمّارة بالسوء أصبَحت دينا، وقوة فاعلة في حياة الناس ومقررة لمصيرهم، حتى هجر الناس مواطن الدين، وتشردوا في أصقاع الآخرين، الذين يرحمونهم ويحمونهم من مخالب أفكار الدين، التي تسعى لافتراسهم ومحق وجودهم بذرائع البهتان والدجل والضلال.
يا رسول الله، نعيش زمنا بلا رحمة ولا إنسانية، ولا تكافل وتوادد، وإنما رايات الدين تُرفع للعدوان على الدين، والمسلمون ينهالون على وجودهم بطاقات انتحارية تدميرية لا يجرؤ عليها ألدّ أعدائهم. يا رسول الله، قلتَ أباكم واحد، وربكم واحد وكتابكم واحد ونبيكم واحد، لكننا نحسب الواحد وفقا لانحرافات مَداركنا، حتى أصبح لكل منا "واحد"، ومَضينا نتواكل ولا نتوكل، ونتقاتل ولا نعتصم بحبل الله ورسوله وكتابه.
يا رسول الله، أضحت خطبنا نواحا وبكاءً، وإسلامنا دموعا وسفك دماء، حتى ضج منا الحجر، وأنكرتنا أقوام عصرنا، وحسبتنا من الموجودات المرفوضة المبغوضة، التي تثير التوجسات والشكوك، فما جئنا بعمل صالح، وتمادينا بنشر ما هو طالح، ولا مِن غيرة على الأمة والدين، وما عندنا إلا قول التظلم والتشكي والفعل المهين!! يا رسول الله، غاب التُقى، وصار الفساد هو الهدى، والعدوان مذهب ودين، والإسلام القويم على رفوف الراحلين، فهل بقي عندنا دين؟!!
اقرأ أيضا:
الطبيب مهاتير محمد وأطباؤنا المتسيسون؟!! / سنكون ونكون!!! / التواضع عدوّنا؟!!