من المفيد مناقشة موضوع الجنس بعلمية ووضوح، ومواجهة مشكلاته مثلما تفعل شعوب الأرض، وأن نجد الحلول والعلاجات الاجتماعية والسلوكية النافعة، للاضطرابات الناجمة عن هذه الغريزة المستعرة في أعماق البشر قاطبة، والتي تؤثر على الكثير من الموضوعات في الحياة اليومية. إن الطرح النزيه والهادف هو الذي يحقق التأثير الإيجابي وينمي الوعي، ويكون دافعا للارتقاء بالسلوك البشري، ويعطيه بعض المهارات لتهذيب غرائزه وانفعالاته، ويرتقي به إلى العقلانية والتفاعل الحضاري السعيد.
أما الانقضاض على الآخر ودفنه بالتهم والنعوت السلبية، فذلك يشير إلى أغراض سيئة، وتطلعات تعكس تجارب شخصية غير موفقة تحققت بسببها المشاعر السلبية، التي يُعبَّر عنها بعدوانية مفضوحة على السطور. فالجنس غريزة تشترك فيها جميع المخلوقات، وهي من أساسيات حفظ النوع. والمخلوقات لها مواسم تنشط فيها جنسيا، إلا قليل جدا منها وعلى رأسها البشر، الذي لا تهدأ هذه الغريزة في دياجير أعماقه، وتبقى تجلده بسياطها وهرموناتها المتدفقة في عروقه.
والبشر لا يشبع من التعبير عن غريزة الجنس ويمارسه مرارا وتكرارا، وكل عمل نكرره هو نوع من الإدمان. ويبدو أن السلوك الجنسي البشري حالة إدمانية بقائية لا يمكن الاستغناء عنها.
والسلوك البشري في ربوع الأرض المختلفة يكون ملونا بالمعاني الجنسية وبدرجات مختلفة، وفقا للظروف التي تسمح بتصريف تلك الطاقة أو كبتها، أو تحويرها وتعديلها بسلوكيات تدل عليها، قد تكون مقبولة أو منحرفة.
ولا يوجد مجتمع بشري مهما صغر أو كبر إلا وفيه الكثير منها، والانحرافات الجنسية سلوكيات معروفة منذ القدم، وهي متنوعة ويتصدى لها المجتمع البشري بالعلاج. ولا يخلو مجتمع من الانحرافات الجنسية لدى الجنسين وبنسب متفاوتة.
وفي قراءتنا للانحرافات الجنسية في مجتمعاتنا نعممها، ونحسبها ظاهرة نوصم بها المجتمع بأسره، وهي علة أو اضطراب سلوكي يصيب البعض ويحتاج إلى علاج وتهذيب.
وفي وعينا أن ما يحصل لا يمكنه أن يحصل، لأننا مجتمع محافظ ومجتمع متدين، وننسى أن هذه الموضوعات لا تمت إلى ما نفكر به ونعتقده، إنها غرائز بشرية تريد التعبير عن نفسها، إنها صرخات جينية تريد أن تتأكد في الحياة ولا يعنيها ما نفكر به ونراه.
لكننا قد هذبنا هذه الغرائز وأوجدنا لها طريقا آمنا للتعبير، وبعض البشر يسلك الطرق الوعرة في تعبيراته عنها. ولهذا وضعت القوانين للحد من هذا الميل، والابتعاد عن القواعد الاجتماعية والأعراف، التي تجعل التعبير عن الغريزة مقبولا. فهناك مجتمعات تقر بالعلاقة الشرعية والزواج، وبعضها تحسب المخاللة علاقة شرعية والتزام بين الجنسين، وبعضها لديه الكثير من الترتيبات، التي قبِلها المجتمع وأقرّ بها، ورفض غيرها بحكم التصور بأنها تحقق الغريزة بسلوك سليم.
وفي كل مجتمع تبقى هناك انحرافات في السلوك الجنسي يعاقب عليها القانون بعقوبات مختلفة، ومجتمعاتنا العربية لا تشذ عن ذلك، فلماذا نريد مجتمعاتنا أن تكون مثالية، ولا نقبل فيها ما يحصل، ونقبله إن حصل في مجتمعات أخرى.
والتفاعلات الجنسية ما بين الرجل والمرأة تحصل في أي مكان وزمان، ولا يوجد مكان في الأرض يخلو منها إلا فيما شذ وندر.
وقد حصلت الكثير من النشاطات الجنسية في دوائر معروفة في عالمنا، الذي يتذوق طعم الجنس بشراهة غريزية فائقة تمنحه حيوية الحياة ومعاني التفاعل معها. فالجنس في طبيعته قائم في الأعماق الحية، ولا يمكن لمخلوق أن يقول بأنه بريئ من هذه الغريزة، وبأنها لا تراوده عندما تجد فرصة أو إشارة أو مَبعثا.
هذه الغريزة تطلقها باعثات إنعكاسية لدى الجنسين، فيتحقق بها إثارة الغريزة وإطلاقها من مكامنها ودفعها إلى التأجج والعمل. فلا يمكن للفرد البشري أن يكون وسط باعثات الغريزة ويقرّ بأنه يلجمها، وبأنه متمكن منها إلا القليل.
وهناك من العظماء من حاول تمرين الغريزة الجنسية وتهذيبها، ومنهم من نجح ومنهم من لم ينجح لكنه حاول. فالغريزة الجنسية لا ينجو من سطوتها حتى الرسل والأنبياء.
ويحصل ما يحصل كل يوم في عالمنا الفسيح المضطرب، عندما تفقد هذه الرغبة المتوقدة سلطان النظام والتهذيب، فتعيش منفلتة بلا حدود أو رادع أو قيود.
وقد قامت شركات الأدوية العديد من الأبحاث والدراسات لإيجاد العلاجات والعقاقير للضعف الجنسي، وتم إبتكار عقاقير مثل الفاياغرا والليفترا والسيالس وغيرها، التي تساهم بعلاجات الضعف الجنسي لدى الجنسين ولكي تحقق إرضاءا متبادلا عندهما.
وقد بيعت منها في دول العالم المتحضر كميات هائلة، ووصلت مبيعاتها إلى أرقام قياسية لم تشهدها شركات بيع الأدوية في تأريخها على الإطلاق.
وهذا يؤكد أهمية الموضوع لدى البشر وخصوصا في الدول المتقدمة، أو دول العالم المتطور كما نقول.
وفي المجتمعات المتقدمة صار الاهتمام بالغريزة الجنسية وبالسلوكيات الناجمة عنها واضحا، لأنها تؤثر في التفاعلات اليومية وتؤذي سلامة البشر النفسية والسلوكية. ولا بد من إرضائها لدى الطرفين وإشباعها لكي يعيشا في دعة ووئام. وأي اضطراب في التعبير عنها، يعني اضطرابا في العلاقة القائمة، وتنجم عن ذلك سلوكيات سلبية ذات نتائج غير حميدة. فلا يمكن لأنثى أن تعيش مع ذكر عنين والعكس صحيح.
وفي أحيان كثيرة في زمن الحرية وتحقيق الرغبات بانفتاح، لا يقنع الذكر بأنثى واحدة، وكذلك الأنثى بذكر واحد، وتكون علاقاتهما مفتوحة ومتفاعلة مع أكثر من آخر.
والعجيب في الأمر أن بعض مَن يكتب عنها وكأنها حالة غريبة عن البشر، وبأن السلوك الجنسي بكل سلبياته وانحرافاته حالة جديدة على البشرية، وأنها خاصة بالمجتمع العربي دون غيره من المجتمعات. وكأن ما يحصل عندنا لا يحصل إلا عندنا.
وكأن الذكور لا يتحرشون بالإناث إلا عندنا، والطبيعة تقول أن الذكر يتحرش بالأنثى أينما توفرت له الفرصة حتى ولو كانوا على سطح القمر.
وكأن الدنيا تعيش بسلام ووئام ونظام دقيق في غاية المسؤولية والمثالية إلا عندنا. فالذكر العربي هو الوحيد الذي يفكر بالأنثى، وينظر إليها ويجامعها، ولا همّ له إلا التفكير بالنساء، وهو الذي اكتشف العقاقير المنشطة جنسيا،
وهو الذي لا هم له إلا أن يشتري تلك العقاقير وقد فاق الدنيا في ذلك، ولو أجريت إحصاءات لتبين أنه أقل أبناء الدنيا شراءا لها! لأنه من شدة الهموم والويلات والمصائب التي ألمت به، فقد رغبته الجنسية وما يرتبط بها، وما عاد الجنس يعنيه وطلقه بالثلاث منذ أن وصل سن البلوغ!!
فهو غير قادر على إرضاء رغباته الجنسية من شدة الحزن والكآبة والقهر والألم. هذا المسكين المحروم، الذي لا يكسب من دنياه إلا العناء والهموم، يُتهم بما يتهم به من الأوصاف السيئة. ولا حول له ولا قوة إلا أن يركض كالحصان وراء لقمة عيشه، ليأتي عند المساء وقد أكله التعب ونهش أعماقه القهر فينام كالحطب، وهناك من يكتب عنه بشراسة وعدوانية. فيا ليتك تستطيع التعبير عن ذكورتك وفحولتك بحرية، وتتمتع بشبابك مثلما يتمتع الشاب في العالم، ويرضي رغباته الجنسية أعظم الإرضاء وهو لا يزال صبيا.
أنت الممنوع من كل شيء يحق للآخرين القيام به وإن قمت به تتحول إلى متهم. أنت الذي يحارب كل الرغبات ويكبتها ويحاول أن يعيش بدونها، وكأنه ليس من دم ولحم ومشعر ورغبات. مسكين ومن أشد المساكين على وجه الأرض، ولأنه كذلك يتم اتهامه بما ليس فيه، ولصق التهم الجائرة بجبينه. ولا أدري كم من الشباب يعرف الجنس وقد أكلته السنون أكلا.
فلماذا لا تتركون الشاب العربي في آلامه وهمومه القاسية، ويا ليت همومه تكون جنسية فقط، فما أحلاها وما أطيبها الحياة أن تكون هموما جنسية وحسب، بعيدا عن هذه الجراح الفتاكة، التي تغتال كل قدرة على الحياة فينا.
ويبقى مَن يتهمنا يتهمنا لأننا نصلي في محراب جلادنا، وإن تخلى الجلاد عنا نسعى إلى جلد أنفسنا بأقسى الأساليب التي نجيد اختراعها. فيا مَن تكتبون بحبر الرغبات الجنسية وتنظرون للدنيا بعيون الجنس لا غير، عليكم أن تكونوا أكثر موضوعية وعلمية وواقعية، وأمانة وعدلا في النظر إلى الرجل العربي والمرأة العربية.
الشباب العربي مكبوت بالرغبات والطموحات، والأحلام مقتولة في أعماقه، ونظراته تفوح انكسارا وحزنا، وقسمات وجهه تأكلها الكآبة وينهشها الألم، وهو يمسك بسكارته ليفرغ قهر الدنيا والزمن، ويلعن وجوده السقيم المتدفق الأنين. فأي جنس يبقى عنده وأي رغبة تتولد لديه، وهو في هذا الجحيم الانفعالي الأليم، وفي عناءات لا يقدر عليها أي ذكر غيره. وهناك من يكيل له التهم الجنسية، ويصف كل ما يصدر عنه على أنه جنسي ويرميه بالدونية والتخلف والانحراف.
يبدو أن الذي يكتب ذلك هو الذي يعاني من انحراف شديد، ويعكس تجربته المريرة القاسية مع الجنس الآخر، على هذا المحروم لينال منه انتقاما من أوجاعه وخيبات أمله.
هكذا كتابات تعبر عن انحراف صارخ في التفكير، وتؤشر لوجود اضطراب سلوكي ومشكلة نفسية يحتاج صاحبها لعلاج ومتابعة، وقد يفيد من يكتب هكذا أن يسعى لاستشارة نفسية تساهم في خلاصه من محنته المؤلمة، التي يسطرها على الورق، ويحسب القارئ لا يعي ما بين السطور من دلائل وإشارات ترسم الدوافع الكامنة وراء الكلمات المكتوبة.
إنّ مَن يقرأ هذه الكتابات تنهض أمامه شخصية مَن يكتبها، بعلله النفسية واضطراباته العاطفية، وعقده الناجمة عن تجربة مريرة فشل بها. فإن كان ذكرا حسب كل أنثى كتلك التي جرعته الويل، وإن كانت أنثى حسبت كل الذكور مثل الذكر الذي ذاقت معه الأمرّين. فيحصل التعميم لدى الطرفين، ويتوسع ليشمل حتى البلد الذي ينتمي إليه الشخص، ويتواصل الإجحاف ليشمل كل ذكر أو أنثى على وجه الأرض.
إن هكذا كتابات تقول بوضوح أن من يكتبها مصاب بالوسواس الجنسي، وأنه قد مر بتجربة عاطفية فاشلة وقاسية، وأنه يلقي برؤاه الناجمة من تلك التجربة على الفرد ومجتمعه، وينسى علته، ويأبى النظر إلى ذاته ومحاولة إصلاحها، وعدم التفتيش في نفسه عن سبب فشل تلك العلاقة.
إنه يأبى ذلك ويتفاعل بآليات إسقاطية وتبريرية ويستنتج ويعمم، ويحسب أنه قد وصل إلى لب الموضوع، ويؤدي عملا جبارا يصب فيه جام غضبه على كل ذكر في الأرض، لأن تجربته كانت في أشد حالات قسوتها ومرارتها وتحطيمها لنرجسيته وكبريائه، أو على الأنثى إن كان ذكرا.
وصارت بصيرته عبارة عن ناظور جنسي فحسب، كل شيء إنما هو فيه مدلول جنسي. وفي هذا السلوك منفعة ترويحية وتفريغ لشحنات الغضب والانكسار والفشل، وإقناع للذات بأنها لم تصب بأي جرح، وأن العيب ليس فيها وإنما بالآخر، الذي لا يستحق كل ما قدمه، له أو لها، الضحية المضرجة بدماء الفشل والخسران والنكد.
إن التفسير الجنسي للسلوك البشري وجهة نظر عفا عليها الزمن، وحاول من حاول في بداية القرن العشرين أن يرى أن العلة الكامنة في السلوك أصلها جنسي وحسب، وقد فندت تلك الرؤى الكثير من التجارب والدراسات، ورمت بها إلى حيث هي عليه الآن من مقام صغير.
إن الدراسات العلمية لا تلغي الجنس تماما ودوره في حياة المخلوقات لكنها لا تعيره الإهتمام الكبير، وتحسبه عاملا من عوامل عدة تدفع بالمخلوقات إلى سلوكيات ما. والتركيز على العوامل الجنسية في تفسير الظواهر السلوكية للبشر لا يوفر إجابات وافية، ولا يفسر تلك السلوكيات تفسيرا عادلا وغير منحاز. وهو يسطح التفكير البشري ويجعله بلونين فقط أو بلون واحد لا غير، بينما السلوك، عبارة عن فعل معقد ومتشابك النوايا والدوافع والمبررات، وتشترك في صياغته العديد من المفردات الفاعلة في أعماق البشر وعلى مدى حياتهم، وهذه العوامل قد ندركها وقد لا ندركها، وما لا ندركه منها أعظم مما ندركه، وهذا يوفر مساحة من الإبهام والتشابك المعقد في السلوك أيا كان نوعه ومنحاه.
وعليه فليس من الإنصاف أن نفسر كل شيء على أنه ذو طابع جنسي، ونحسب أن هذا المجتمع دون سواه يتحرك وفقا لهذه الضغوط الغريزية القائمة في أعماقه، وننسى أن هذه الغريزة موجودة في أعماق كل المخلوقات الحية وبلا استثناء. فهل يمكن أن نفسر السلوك البشري بالجوع فقط أو الشبع فقط أو بالحاجة وحسب، لا يمكن أن يتحقق ذلك في زمن البحث العلمي الرصين والدراسات الواسعة، والفهم المعمق للحقائق والبديهيات السلوكية للمخلوقات.
فهل مَن يَكتب ما يكتب لديه دراسة علمية واحدة تؤيد أن ما يقوله خاص بالمجتمع العربي، وهل لديه دراسات تقارن ما بين المجتمع العربي والمجتمعات الأخرى. نحن في زمن لا يمكنا أن نقبل بالإفتراءات والأقاويل من غير دراسات علمية، ذات قيمة ورصانة وخاضعة للمراجعة والنقد.
ليس من المعقول أن نتصور أن من يكتب بأسلوب انفعالي ينطق بالحقيقة، وإنما ينطق بما يمليه عليه انفعاله من رؤى وتصورات، وبما يستجلب إليه من توارد خواطر سلبية تغذي انفعالاته ودوافعه الغريزية، التي يريد التعبير عنها، والتي يصب جام غضبه من خلالها ويرمي الآخرين بما ليس فيهم. وبعض الكتابات تسطر الأعراض المرضية لكتابها دون شعور منهم، وكأنك تقرأ وصفا لحالة مرضية، وخلل سلوكي واضطراب في التفكير والتصور يحتاج صاحبه إلى علاج، وربما هو تحت العلاج ويستخدم أليات إسقاطية وتبريرية ليرضي نفسه على أنه صحيح، والآخرين من حوله هم المرضى والمجانين.
نريد دراسات علمية واضحة وصحيحة ودراسات مقارنة ما بين المجتمعات، لكي يحق لنا أن نقول بأن هذا المجتمع يتميز بهذه الظاهرة عن سواه. ألا يكفينا جهلا وإمعانا بالقسوة على الذات والموضوع. ألا يكفينا خضوعا لعذابات الضمير بالقول والفعل المرير.
وأنت أيتها الأنثى العربية أعانك الله على كل هذا الضيم الذي تشاركين الذكر العربي بحمله، فما يعانيه تعانيه أنتِ أضعاف المرات وما يحل به يحل بك أكثر وأقسى. أللهم فأخرج هذه الأمة من ويلات الغمة التي تحيط بها، وتسلط عليها من أبنائها أعداءا لها وقساة عليها. أعاننا الله على شرور أنفسنا وعلى شرور بعضنا، وقسوتهم على أنفسهم وعلينا وحسبنا الله.
وعذرا على الصراحة فلكل مقام مقال ولا بد من رد ما يُقال.
...../..../2003
واقرأ أيضاً:
المجدلية والطب النفسي تعليقا على الزنا مشاركة / كيف نعيش جنسياً؟! تقرير بناتي- مشاركة / واحدة من بناتنا عل يحفظها الله م / الحوار حول الجنس... متى ستمارسون؟!