البارحة كنت في حفل تكريم إحدى الزميلات في المؤسسة التي تعمل فيها، ووجدتني وسط حشد يربو على الألف طبيب وطبيبة، في مؤسسة كبيرة ترأسها امرأة، ووفقا للتقاليد الإحتفالية كان هناك فترة استقبال وتعارف، لتناول الأطعمة والمشروبات وغيرها من المأكولات، التي ازدحمت بها قاعة الفندق المخصصة لهذا الاحتفال الكبير الذي يحصل كل ثلاث سنوات.
وفي قاعة الاستقبال المخصصة للمكرمين، تقدمت امرأة لتتعرّف علينا، وبتواضع عجيب، حتى استكثرتْ أن أقوم من مقعدي وأصافحها، وكانت في غاية البساطة والروح الإنسانية المتواضعة، وتحدثت معها بعض الوقت، وما عرفت هويتها الإدارية، لأنها قدمت نفسها باسمها فقط.
وبعد أن ذهَبتْ سألت عن هويتها، ففاجأتني زميلتي بأنها رئيسة المؤسسة التي تعمل فيها، ومنصبها ربما يعادل منصب وكيل وزير في بلداننا!! قلت لزميلتي: أدهشني تواضعها!! وما عهدت في حياتي العملية مسؤولا في وزارة الصحة أبدى تواضعا، وإنما كلها تصرفات متكبرة، وكل زميل سيتذكر الأنا المتضخمة بنرجسيتها، والتفاعل الجاف، والوجوه المعبسة الغاضبة المستبدة التي تريد أن تنال منك!!
وتداعت أمامي صور التواضع وأقواله التي ضجت منها رؤوسنا وما عشناها في مجتمعاتنا!!
وقلت لزميلتي: إنها تترجم قيم وأخلاق التواضع التي تعلمناها في الطفولة والصبا، وما رأيناها في حياتنا أبدا!!
واستحضرتُ بعض ما تبقى منها في ذاكرتي:
"واخفض جناحك للمؤمنين"
"وما تواضع أحد لله إلا رفعه"
"أحب الخلق إلى الله المتواضعون"
ومن الشعر:
"ملأى السنابل تنحني بتواضعٍ....والفارغات رؤوسهن شوامخ"
ومن أقوال العرب:
"لا يتكبّر إلا كل وضيع، ولا يتواضع إلا كلّ رفيع"
احترت في أمرنا وأكثر رموزنا ما أظهروا للناس ممارسة فيها بعض تواضع، بل أنهم يتمادون في تقديم القدوة المنحرفة، ويلصقونها بكل ما يمت بصلة إلينا، وأمامي امرأة مسؤولة ومؤثرة وتمارس التواضع بأجمل ما تكون عليه الممارسة الإنسانية، حتى وهي تتحدث أمام الجمع الغفير من الأطباء!!
فأين نحن من قيمنا وديننا، ولماذا أمْعنّا في القشور وتركنا الجوهر المنير؟!!
18\1\2015
واقرأ أيضاً:
الطبيب مهاتير محمد وأطباؤنا المتسيسون؟!! / سنكون ونكون!!! / وداعا للأقلام!!