الديمقراطية ليست كما يحلو لنا أن نتصورها ونتخيلها، على أنها الحرية في التعبير عما في النفوس، والكلام المباح بلا مسؤولية ولا ضوابط، ونختصرها بالذهاب إلى صناديق الانتخاب، بينما هي تفاعلات محكومة بآليات قانونية منسجمة والمصلحة الوطنية بجميع تنوعاتها وفروعها وتفاعلاتها.
والذين يعيشون في المجتمعات الديمقراطية يعلمون جيدا، أن كل شيء يتحرك وفقا لقانون ومعايير وأنظمة، لا يمكن التفريط بها على الإطلاق، فأي إخلال بها يعرّض المخالف لطائلة القانون. فالأجواء في المجتمعات الديمقراطية وكأنها كهرومغناطيسة، أو مكهربة بتيارات القوانين والضوابط والمعايير، التي ما أن تنحرف عنها حتى تهتز وكأنها بيت العنكبوت لتنذرك بمخالفة، ولهذا تعمل فيها المحاكم بكثافة زخم عالية جدا للبت بالمخالفات القانونية، التي ينجم عنها السلوك البشري الذي زعزع ضوابط الحياة الديمقراطية.
فلا يمكن القول بوجود ديمقراطية من غير قوانين صارمة عادلة، لا تتهاون في محاسبة أي مخالف مهما كان منصبه أو اسمه أو عنوانه. بل أن عدم الخضوع للقوانين والضوابط والمعايير، يعدّ مسبة ومثلبة تؤثر على مستقبل الشخص الذي قام بالسلوك. وبمعنى آخر، أن الديمقراطية هي ديكتاتورية القانون واستبداد الدستور، وبدون هذا الطغيان القانوني لا يمكن الحديث عن الديمقراطية، ولهذا فأنها فشلت تماما في المجتمعات التي لا تحترم القانون، ولم تتعود على الحياة العادلة المنضبطة المستكينة للقانون والدستور، ولا علاقة لها بأي تأثير آخر.
فعلة الديمقراطية في المجتمعات التي ما عرفتها من قبل، أنها استهانت بالقوانين، فدمرت القيم والسمات الديمقراطية اللازمة لصناعة الحياة. فلو أن القوانين انتفت في المجتمعات الديمقراطية لتحولت الحياة إلى مأساة، وتفاعلات أليمة صاخبة مدمرة للوجود بكافة مناحيه وجوانبه الأخرى.
وعليه فمن أسس إقامة الديمقراطية تحقيق التوعية القانونية، وفرض إرادة القانون في المجتمع، لكي تترسخ العدالة وتتأكد آليات النظام والانضباط، والسلوك المستقيم المحقق لتطلعات أبناء المجتمع وتنمية تفاعلاتهم الإيجابية الصالحة.
فهل ستسعى مجتمعاتنا لتأكيد الثقافة القانونية، وإعلاء قيمة القانون ودوره في بناء المجتمع، أم أنها ستبقى تتخيل الديمقراطية؟!!
واقرأ أيضاً:
البيئة والسلوك!! / مَغنطة ومَقنطة؟!! / الكراسي تأكل الحصرم والناس يضرسون!! / البشر هو البشر!!