منذ ألفين وثلاثة، أفلح الفاعلون في إقامة جمهوريات الشك العربي المعظمة، ابتداءً بالعراق، وصولا إلى اليمن، وامتدادا لدول عربية أخرى أخذت آليات الشك تتحكم بها. ولكي تدمر أية أمة عليك أن تنمي وترعى نزعة الشك في ربوعها، وعندها ستضعها على سكة الدمار الذاتي الفائق التعجيل والفتاك التأثير.
والشك باختصار هو الظن بالسوء، فعندما يتحول أبناء الأمة إلى سيئين حتى تثبت براءتهم، فإن الأمة قد حققت أفظع مصيبة، ووضعت مصيرها على جرف هارئ. ويبدو أن مصانع إنتاج مفردات الشك وتحقيق التفاعلات الإقرانية اللازمة لزيادة زخمه، في أقصى قدراتها الإنتاجية، حيث تأتينا كل يوم بمفردات وتسميات وأحداث ذات نزعات تأجيجية وتعزيزية متفاقمة مرعبة، وقدرات إذهاب البصيرة وتصعيد العواطف وسيادة الانفعالات، مما ينجم عنها القيام بأعمال تساهم بتسارع دائرة الويلات المفرغة.
وهذا يعني أن المجتمعات في جمهوريات الشك أصبحت بلا خيار سوى القتل والدمار، والسقوط في مستنقعات الانتقام والعداوة والخصام، مما سيؤدي إلى انصفادها في متوالية الخسران الهندسية. فأبناء الوطن الواحد صاروا يشكّون ببعضهم، والأبرياء صاروا متهمين بالسوء، ولا يمكنهم أن يكونوا في بلدانهم أحرارا، وإنما الشك يحيطهم ويخنقهم ونظرات الريبة تحف بهم، مما سيتسبب في تداعيات وخيمة.
فالشك من أمضى وأقدر الأسلحة القادرة على محق الأمم والشعوب، والكراسي المسكونة بالشك تفقد أهلية الحكم، وتتحول إلى كرة انفعالية ملتهبة، متدحرجة تحرق كل شيء حولها، ولهذا فإنها لن تبني وتعمّر، وإنما تخرّب وتدمّر، وتمعن بقتل نفسها ووطنها وما يمت بصلة للمجتمع الذي تسلطت عليه، ولا بد لها أن تكون تابعة ومذعنة للآخرين، الذين يغذون نزعة الشك فيها، ويمدونها بما يقويها ويشعرها ببعض الأمان، وذلك بتأكيد شكوكها وتنميتها وتسويغها بالأعمال والأقوال، وغيرها من الأدوات اللازمة لامتلاكهم.
فالكرسي المفعم بالشك مُصادر الإرادة والمصير، ويجد نفسه في ورطة مرعبة، تدفعه لسلوكيات متفقة وما فيه من الرؤى الانفعالية والتصورات المريضة، التي أوجدها الشك المتنامي في دنياه، فلا عقل ولا عدل لمن يعشعش الشك في رأسه.
فهل ستتشافى الكراسي من اضطرابات الشكوك العاصفة فيها؟!!
واقرأ أيضاً:
فحوى الكلمة!! / الاعتماد القاتل!! / صوت الكلمة!! / المثقف...هل تثقّف؟!!