مبروك لصحيفة المثقف عيدها التاسع، وأجمل التحايا للأخ المبدع ماجد الغرباوي، صاحب الاسم الثقافي الحركي (أبو حيدر).
المثقف صحيفة أعتز بها، وأقدّر إشراقاتها وإضافاتها الأصيلة، وطاقاتها الفكرية والأدبية، وإضماماتها الوهاجة بأنوار المعارف والمدارك، والعطاءات الفواحة بعبق مروج العقول، الساعية للإحاطة بروائع إبداعٍ بهيج.
المثقف صحيفتي التي تواصلت معها منذ نعومة أظفارها وباسم قلم، فما أن بدأت خطوتها الأولى حتى كانت مقالاتي وقصائدي ودراساتي تتواكب معها وبإيقاع يومي، ومضيت على هذا المنوال حتى اليوم، ولكن دون شعر منذ ثلاثة أعوام فقط، وأظنني لازلت من أكثر الذين نشروا فيها.
وهي الصحيفة الوحيدة التي جذبتني منذ أول قصيدة نشرتها فيها بعنوان "نبضات أعماق" وفي أول أسبوع انطلاقها في مثل هذه الأيام قبل تسعة سنوات، وما كنت أتصور أنها ستنمو وتتطور وتتفاعل، بهذه الجدية والعزيمة والإصرار على بناء العقل الإنساني العربي المعاصر، المؤهل لصناعة الحياة وبنائها.
وبعد السنوات التسعة تساءلت: هل أن المثقف تثقف؟
والمقصود هو المثقف العربي، وكلما أقرأ المقالات والدراسات في العديد من المواقع وما يردني عبر البريد، أجدني أشعر بالخيبة والألم، لأن معظم ما ينتجه المثقف العربي لا يتعدى كونه ردود أفعال، وانعكاسات خالية من العمق والفهم الموضوعي، الذي يضع الحلول ويرسم خارطة الانتصار على التحديات.
فلم يقدم المثقف نظرية معرفية عربية ذات قيمة حضارية معاصرة، وإنما أمعن في الغابرات وصار تابعا للأموات، ومندحرا في بطون الأجداث، وموئلا للنواح ومسوغا للويلات والتداعيات، وكأنه قد تحول إلى أداة لتحقيق أهداف الآخرين عن قصد أو غير قصد. ولا يمكن تبرئة المثقف مما يجري في المجتمع العربي في كل مكان، ذلك أنه صار من المساهمين في تكريس الخيبات والنكبات، وما استطاع أن يكون قوة مؤثرة في بناء الحاضر وصناعة المستقبل.
وفي الذكرى التاسعة لميلاد العزيزة الغالية "المثقف"، على كل مثقف أن يتساءل عن إسهاماته الإيجابية في صناعة الحياة، وهل هو قوة ذات قيمة وتأثير، أم أنه مجرد بوق ومُنعَكس لما يدور ويُراد له أن يكون.
إن المجتمعات والأوطان الحرة الأبية، والثورات البشرية، لا يمكنها أن تكون حيوية ونافعة إذا فقدت المنارات الثقافية والفكرية، التي تنير لها دروب مسيرتها الحضارية، فجميع التغيرات الكبرى التي تحققت عند الأمم والشعوب تصاحبت مع رموز ثقافية وتفاعلات فكرية، أيقظت الإنسان من غفلته، وحصنته ضد آفات التشظي والتلظي والانسحاق تحت وطيس التضليل والبهتان، والخداع والدجل والأكاذيب، التي تحوّل البشر إلى عدو شرس ضد نفسه وما حوله.
فالتحدي المصيري الحقيقي الذي يواجه العرب اليوم هو تحدي ثقافي فكري كبير، وإن لم يفلح المثقف العربي في مهمته التنويرية والتصحيحية للمفاهيم السلبية المتراكمة، فإن الوجود العربي ينحدر إلى هاوية الانقراض السريع.
فهل تثقف المثقف وثقف، أم أنه تمَثقف وتعكّف؟!!
مع أطيب التحايا وأجمل الأماني لجميع العاملين في "المثقف"، وكل عام والمثقف أبهى وأروع وأسطع في العقول النفوس، وتباركت الجهود المنوِّرة بالتسامح والمحبة والسلام!!
واقرأ أيضاً:
الاعتماد القاتل!! / صوت الكلمة!! / جمهوريات الشك!! / الأصوات الأصيلة يجب أن لا تخفت!!