البشرية ومنذ أكثر من عقد أخذت تضع كل ما لديها من معطيات علمية ومعرفية على شبكات الإنترنيت، فأرشيف الأرض الثقافي أصبح مكدسا في المواقع والصحف الإليكترونية، وأخذت البشرية تعزف عن الكتابة على السطور، والقراءة في كتاب، وإنما صارت مملوكة من قبل الأجهزة الإليكترونية بأنواعها، خصوصا بعد ثورة الهاتف النقال، الذي يمكنه أن يكون مجهزا بالبرامج التي يحتاجها البشر للتواصل.
أي أن البشرية علقت مصيرها بخيط إليكتروني رفيع، حالما ينقطع تفقد قدرتها على الحياة. فالأرشفة الإليكترونية ليست آمنة، ويمكنها أن تنمحق بهجمة إليكترونية ما، وكثيرا ما يتم تدمير المواقع وأرشيفاتها بهجمة إليكترومغناطيسية، لتحيل كل شيء إلى لا شيء، أي أنها من الممكن أن تصيب البشرية بخرف إليكتروني مروّع وحاد!!
وهذا الخرف جماعي شامل يشل حركتها وقدرتها على مواصلة الحياة. فالأجهزة الإليكترونية تعطل العقول البشرية، لأنها تجعلها تعتمد عليها في الكثير من النشاطات اليومية كمعرفة الطريق والحساب. ففي أيامنا المعاصرة يجهل طلبة المدارس الابتدائية جدول الضرب والحساب بأنواعه، ولو جربت واقتربت من بائعة وأخرجتها من جهاز الحساب الذي تقف أمامه، لانكشف لك عطل الدماغ الحسابي، لأنها لا تعرف إلا تمرير البضاعة ورؤية الرقم وتمرير بطاقة التأمين لأخذ ذلك الرقم وكفى.
وقد جربت مرة أن أدفع نقدا وانكشف لي عجز البائعة عن معرفة التعاطي مع النقد، وهذا يحصل في عالم متقدم. والكثير من الأطفال عندما أسألهم عن ضرب أو جمع وطرح أرقام بسيطة، يتسمرون أمامي ويحسبونني غريبا ويريدون الرجوع للهاتف أو الحاسوب، فكل شيء أصبح عبارة عن حركة أصابع على أزرار الكيبورد.
ولو تخيلنا ماذا سيحصل لو أن جميع هذه القدرات الإليكترونية قد تعطلت بهجمة كهرومغناطيسية عنيفة من قوة أرضية أو خارجية، لأصابنا الرعب ولأدركنا بأننا سنعود إلى عصور ما قبل التأريخ!!
ربما يبدو أننا نسعى إلى حتفنا بأساليب نحسبها متقدمة وذات تقنيات عالية، وفي الواقع، أننا نخطو نحو تفريغ أنفسنا من القدرات والقابليات اللازمة للتواصل والبقاء، بالاعتماد على الأجهزة الإليكترونية التي تصاب بالأمراض الفايروسية الخطيرة المدمرة جدا لكل ما نعرف. فهل من يقظة ووعي إليكتروني وانتباهه لما نقوم به من سلوكيات انقراضية؟!!
واقرأ أيضاً:
المثقف...هل تثقّف؟!! / الأصوات الأصيلة يجب أن لا تخفت!! / الحزم العربي!! / الضعف خَيار العرب!!