حسبتُ الصدفة خير من ألف ميعاد، لكنها أرهقتني، فأنا أجري والنهر يجري، ويدري بأنه يأسر العيون. وبين النهر الخالد ونبضات العشق البعيد، كانت الخطوات تبحث عن قلبٍ سعيد، أيتها الحالمة بالجديد. كنت أطارد خيالكِ مثلما تطاردين الكلمات في بحر الدجى، وأنقّب عن آثار الحكايات على ضفاف النيل بين العشّاق ومجاميع المحبين.
قالت عاشقة: إن الحب موجة، فتأمل المياه وقل لي معنى أن تحب...
ورمقني عاشق بغضب وتحدي...
لكنني أمعنت النظر في قلب النيل
وخطوت بتثاقل، أريد أن أكتب في كل خطوة كلمة، وأرسمها على وجه موجة صافحت وجهك ذات صباح وأنتِ تبتسمين.... للنيل العظيم، الذي ألقيت في مياهه ورقة تحمل اسمك... أرسلتها إليكِ، وأنا لا أعرف إلا أنكِ على ضفافه تتألقين.
أيتها الساكنة في أعماق وجدان المدى، سألت عنكِ الشوارع في ميدان التحرير، وجلست في مطعم "فلفلة" أكثر من مرة، وأكلت الفول المدمس والفلافل والشاورمة والرز باللبنة، وسألت الكراسي: هل أنها جلست هنا، ذات يوم قريب...
توقف أمام المطعم عاشقان، كان الحسن الموشح بالحجاب أكثر إشراقا من شمس مصر...
انغرست عيوني في جوهرة الجمال، حتى ابتسمت
وقالت: ألا يكفي النظر
فقلت: وهل يرتوي الفؤاد من سحر الجمال
ضحكنا... وجاء العاشق غضبان
في ميدان "طلعت حرب" لم أجدك، ولم أعثر على أثركِ في مكتبة الشروق، أو عند محل المرطبات والحلويات... أو مع الناس المحتشدة أمام دار السينما لمشاهدة فلم "عمر وسلمى"...
كنت أحمل كتبي، وأحتسي أفكاري مع عصير المنجا المنعش اللذيذ، وكان الزحام شديدا والحرارة عالية، وسائق التاكسي يريد الانتظار، لأني أعطيته عشرون جنيها، ويأمل أن يعيدني إلى ذات المكان بعشرين أخرى، فقلت شكرا ..أريد أن أراها.
لم أترك شارعا إلا وداسته قدماي، ولا محلا إلا دخلته وتأملت ما فيه، حتى داهمني المساء واشتعلت الأضواء وازدادت الشوارع روعةً وبهاءا، وغرقت في بحرٍ من الضوضاء... وما شعرت بالوقت، وقد قارب الليل على انتصافه، فأومأت لسائق التاكسي، أريد أن أصل إلى هذا المكان.
حسنا
كم..
كما تشاء
ركبت معه، وكان شابا يستمع لأغاني فريد الأطرش، فأطربني معه وحلقت في عوالم الغرام، بعد أن أعاد ذاكرتي إلى الوراء... وكنت أعجب منه كيف يندمج مع الأغاني ويسوق وسط الزحام الذي لا يهدأ أبدا. وبعد أن أوصلني إلى المكان المقصود أعطيته عشرون جنيها وقلت "هذا عشان فريد الأطرش" فضحك بعجب وقبّل الورقة النقدية وشكرني...
ومضيت أمشي في الشارع إلى حيث أريد، وأملي أن أجد بائع الجرائد لكنه قد أغلق كشكه ومضى إلى فراشه، فالجرائد المصرية من أروع الجرائد العربية، وقد أدمنت قراءتها لثرائها اللغوي وخبرة كتابها وغزارة موادها، فعشقتها وتعلمت الكثير منها. وبعد هذا الوقت، أخذت أبحث عنكِ في أروقة الفندق الجميل، لكنك كالسراب البعيد...
ونظرتكِ في حقول النخيل والموز والمنجا على ضفاف النيل...
سألت عنكِ في أسوان والإسكندرية، وهتفت باسمك فوق السد العالي، وحسبتك تسبحين في بحيرة ناصر، أو تتسلقين أهرام الجيزة، أو تقرئين في مكتبة الإسكندرية، أو تجلسين على بلاج الأحلام في الحديقة البانية. واحترت في أي مكان سأجدكِ، لكنني وجدت نفسي في الطائرة. فسألت المضيفة عنكِ
فقالت أنها تسكن نجمة ذات أجنحة من الضوء
فقلت دعيني أراها وأنا أسكر بالمنجا...!
تلك حكايتي مع حبيبتي المصرية التي مازجنا بأروقة العشق خيال فكرٍ لبيب، فحلقنا في أفقٍ من السراب العذيب، فحملت روحي وطفت بها أروقة مصر مخمورا بصهباء ذاتٍ لا تغيب، وما أدركتها ولا وجدتها، لكنني حظيت بأسمى نصيب!!
واقرأ أيضاً:
الحزم العربي!! / الخرف الإليكتروني؟!! / الضعف خَيار العرب!! / وترلوو وما يَعلو!!