{ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون.....}
(عيدٌ بأي حالٍ عدت يا عيدُ....
"إن شاء الله العيد القادم نكون مجتمعين في سورية....
[لا عيد في الغربة..
عبارات تتنافس في يوم العيد في الدخول على مسامعك.
أيُّها سيجد صداه في نفسك وروحك المغتربة؟!
هل العيد الحقيقي فعلاً في الوطن ومع الأهل؟! هل نملك أن نؤجله إلى مكان وزمان آخر غير الذي سيقبل وأقبل عليه؟!
أم هل العيد الحقيقي هو إكمال العدة والشعور بنعمة الهدى والتقوى والقرب من الله؟! القرب من الكمال المطلق، والرحمة الواسعة، والرشد الحق، والحكمة البالغة، القرب من أهل التقوى وأهل المغفرة. القرب من القريب أصلاً ونحن الغافلون عن هذا القرب، وصحونا في هذا الشهر من هذه الغفلة صحوة كاملة أو جزئية...
هل العيد هو عيدٌ سعيدٌ في داخلك ويشع منها على من حولك وحسب؟!
#عيدي ورحلة نحو الداخل Inward journey..
قبل العيد بيوم أو يومين جيء لي بمجموعة من الكتب لعالم نفسي أمريكي عراقي الجنسية اسمه د/ طالب الخفاجي وهو أخ أكبر وصديق حبيب وأستاذ لي، فقررت في هذا العيد أن يكون أحد كتبه صديق عيدي، ألا وهو كتاب Inward journey رحلة نحو الداخل، وهو كتاب حكى لي عنه مؤلفه كيف قام بكتابة فصوله، وهو أول كتاب رسمي له -حسب علمي- تلاه ثلاث كتب أخرى نشرها فيما يلي من السنوات...
هذا الكتاب هو كالحياة التي نحياها رحلة نحو أعماق المؤلف وأعماق من عمل معهم كمعالج نفسي ومن رافقهم كزملاء...
استمتعت جداً بعرض تلك الخبرة النفسية التي اختبرها الكاتب وصاغها بشكل مبسط وسهل وشيّق وصادق...
وكان الكتاب مرافقي الشخصي في العيد أحمله أينما أذهب لأقرأ فقرة أو فقرتين منه وكثيرا ما شاركت مع زوجتي ما خبرت من معلومات منه، ولقد أطلقت على الكتاب ذاك "صديق عيدي"..
الكتاب يعلّمك كيف تكون سعيداً في هذه الحياة، كيف تتقن فن العيش art of living... كيف نفكر بشكل منطقي، إضافة للكثير من القصص الطريقة والمحزنة والمؤثرة... إنه كدواخلي ودواخلك كوكتيل من الأفكار... ولكن د/طالب يعرضها ويعرّيها كمختص نفسي عمل في العلاج النفسي سنوات وسنوات (حوالي 37 سنة) في ستة بلدان ما بين الغرب والشرق...
عيدي والشعور بالوحدة
في سياق الغربة وفي بعض المناطق والأزمنة الخاصة لا بد لي ولك أن نختبر شعور الوحدة وربما نعتاد عليها، وخاصة أني صليت العيد هذا العام لوحدي ولم ترافقني زوجتي وأولادي كما كنا نفعل فيما سبق، لأسترجع ما كانت عليه من "حالة الوحدة" قبل الزواج لتُضاعف غربتي...
خرجت من المصلى وأنا أحمل ما يحمله أي مغترب عن أهله ووطنه من مشاعر الفقد...
استعرضت ذاكرتي بصورة مؤلمة وجوه الأقارب والمعارف الذين كانوا بجدارة أبطال كل عيد وزينته، لما كنت أشهده في بلدي الغالي معرة النعمان..
وجوه طيبة وضاحكة وطريفة ومواقف تتكرر كل عيد تثير البهجة والسرور:
أبو هاني ابن عمي الذي يصرُّ أن يمر مبكرا جداً على الجميع في أول يوم بطرفته الحاضرة وخفة دمه المشهورة...
عمي أبو رامي الذي يعزمنا دوماً على ديك رومي لمّا نأكله للآن، مدعيا أنه في الداخل ويجري تحضيره...
وغيره من الروتين اللطيف الذي اعتدنا عليه وألفناه،افتقدته بحرقة في هذا العيد...
عدت إلى البيت وحيدا مقلباً في ذاكرتي ألبوم الذكريات السابقة..
منتظراً زوجتي كي تعود من سفرها في مساء اليوم الأول من العيد...
#صناعة_السعادة_في_الغربةو#صناعة_العيدو#فن_العيش_السعيد
الاتجاه العفوي والأسهل على الإنسان هو الدخول في نفق التعاسة والمرض والكسل والعجز والعبودية لغير الله. أما السعادة والصحة والتحرر فتحتاج لعمل جاد ونشيط وخطط ووعي، فلذلك هي الطريق الأصعب. ألم تحف الجنة بالمكاره والنار بالشهوات؟!
وهذا ما أكّد عليه كتاب (Inward Journey) صديق عيدي.
كانت بهجة هذا العيد أن والدايَّ معي ولكنهما للأسف يشاطراني ذات الشعور الموحش بالوحدة والغربة في العيد، مما ضاعف من همّي وغمّي... ثم جاءت زوجتي لتصحح لي تفكيري الذي بدأ ينحو منحى الكآبة والتحسر والعيش في الماضي، قالت لي:
"يكفيني في عيدي أن معي أشخاصاً أحبّهم ويحبّوني، يشاطروني مشاعر الحب الصادق أنت وأولادي، ولا حاجة لي بأحد سواكم لأقضي معه ساعات عيدي"
قمت من قاع غمّي وهمّي وتفكيري الغير عقلاني إلى مشاعر أخرى وعقلانية وبصيرة أكتشف بها تلك النعم التي أنعم الله بها عليَّ: زوجتي الحبيبة، لانا وأزهر أطفالي الظرفاء، أمي وأبي أبواب جنتي...
قلت في نفسي: سأصطنع لك يا نفسي عيداً وطقوساً من السعادة، عساك تسعديبنعمة "هنا" وما فيها و"الآن" وما بها، نعمة اللحظة التي أيقظتني زوجتي لأنتبه لها وما فيها...
وقلت في نفسي ولمن حولي: لمَلا نعايد بعضنا بعضاً ولو كنا في نفس البيت؟!!!
وفعلاً اصطنعت زيارة في البيت نفسه، ليكون فطوراً مشتركاً في غرفة الضيوف تحضره لنا أمي الحبيبة... كونها تحب ذلك...
وكان لقاء العيد الممتع... والمصطنع نعم...
#كآبة_العيد وما بعده
سألت على صفحتي هذا السؤال لألمس نفوس الآخرين:
[نفسك وهذا العيد، كيف حالها؟!]
وكانت الأجوبة: النفسية ميتة تعبانة... في العيد صلة للرحم وتزاور وفي الغربة لا رحم ولا تزاور التشتت بأم أعيننا نراه في العيد
لتنتهي التعليقات: النفسية زفت والحمد لله
المفاجئ أن الكآبة بعينها نراها ونلمسها عند الكثيرين في الوطن وفي الغربة أيضاً، وفي الحرب وفي السلم أيضاً وأيضاً.
وراجع مقالتي [نفسي وهذا العيد تبعات نفسية]
وراجع ما كنا عليه الكثيرون من التضجر والتململ والتشكّي في العيد وما قبله وما بعده، في الوطن وخارجه...
إنها ليست الكآبة لأسباب خارجية بل لأسباب في داخل الإنسان نفسه، كون السعادة والصحة تحتاج خطط وصناعة مع شعور عالي بالمسئولية الشخصية تجاهها، إضافة إلى نضج في الشخصية بالطبع قبل كل شيء.
السعادة في العيد وما قبله وما بعده = صناعة + مسئولية شخصية + نضج
وأعجبني تعريف للذكاء ورد في الكتاب الذي كان صديقَ عيدي وأختم به: "الذكي" هو من يستطيع أن يكون سعيداً، و"الغبي" الذي لا يستطيع أن يكون سعيداً...
___________________________________________________
* لمن يسأل عن الجزء الأول، فهذه المقالة تتمة لمقالة كتبتها على مرحلتين منذ 7 سنوات في نهاية 2008 بداية 2009 ، حيث تغيرت الأحوال الشخصية من مرحلة خطوبة إلى مرحلة زواج وأبوة، من حالة الوطن والحرب في خارجه (على غزة الحبيبة) إلى حالة الغربة والحرب في الوطن نفسه.
أرجو منكم قراءتهما بتمعن.
نفسي وهذا العيد/ نـفسي وهـذا العـــيد.. تبعاتٌ نفسية
*اقرأ أيضاً:
لماذا حزنت وحزن الكثيرون على ياسينوو ؟ / الصمت أيام الصراخ (الثورة)