يبدو أن سلامة النفس البشرية وتفاعلاتها اليومية له علاقة بقدرات مجتمعها .
فالمجتمع القادر على التصنيع والعطاء والإنتاج، يمنح النفس قوة جديدة وزخم إبداعي وثقة بالإتيان بما هو جديد.
فالتصنيع له تأثير على النفس البشرية، وهو الذي يساهم في تصنيعها أيضا، ومدّها بما تحتاجه من المهارات اللازمة للقوة الحضارية وبناء الإرادة الإنسانية العزيزة الكريمة.
إن إغفال بعض المجتمعات لهذا الركن الأساسي المؤثر في السلوك البشري، يجعلها تتحول إلى وجود واهي، ويوفر لها قدرات الانكماش والانحسار والاضمحلال والضياع.
ويمكن تقدير الحالة النفسية للمجتمع من خلال معاينة قدراته الإنتاجية، ونشاطاته الصناعية والاقتصادية.
فالحالة النفسية التي تتمتع بها مجتمعات النفط غير الحالة النفسية التي تتمتع بها مجتمعات لا تملك نفطا، لكنها تمتلك عقلا وأفكارا، ومهارات تصنيع وابتكار وإنتاج، جعلت من دول النفط تابعا ضعيفا لها، وليس العكس.
وفي مجتمعنا العربي يبدو تأثير الانهيار الصناعي على نفسية الإنسان.
وقد كان العراق متجها نحو التصنيع، وكان الشعور القائم في أعماق الناس غيره عندما تحول إلى بلد خالٍ من التصنيع.
وكذلك الحالة النفسية في مصر، عندما كانت ذات قدرات صناعية وتصديرية، وبعد أن تم الإجهاز على مشاريعها الصناعية وعدم تطويرها، أصابتها آفات العجز والاتكال.
فعندما سألت عن سيارات "نصر" التي كنت أعرفها منذ صباي، وجدت الجواب، "يرحمها الله"!
وهذا يعني أن النفس قد انكسرت، والإرادة انحنت، والأمل والثقة بالمستقبل قد تزعزعت.
فالنفس البشرية ليست حالة معزولة عن دفق الوجود الإنساني من حولها، وخصوصا في مجتمعها ووطنها الأصلي.
وفي خضم الفيضان المعلوماتي والتواصل الإليكتروني، فإن العديد من النفوس ستصاب بالصدمات والانكسارات والانفعالات السلبية، والثورات الهيجانية المعبرة عن حالتها الشعورية وطاقتها العاطفية المتراكمة المضغوطة في قدور وجودها، التي تغلي على جمرات آهاتها!!
ومن أهم المعالجات المطلوبة للواقع العربي، هو إعادة روح التصنيع والابتكار التي تعزز ثقة الإنسان بنفسه، وبحاضره ومستقبله.
فهل لدينا مناهج إعادة تصنيع الذات العربية المأزومة؟!!
واقرأ أيضاً:
لكلّ حلٍّ معضلة؟!! / النار والدار!! / تحيا مصر قدوة عربية منيرة!! / الرفق بالأوطان!!