العلاقة بين القائد والمجتمع ذات أهمية اجتماعية وحضارية عالية، ولا يمكن لأي مجتمع أن يبني حاضره ومستقبله ويكون مؤثرا في الحياة، دون قائد يستطيع أن يتفاعل معه، ويوفر الأسباب اللازمة لإطلاق ما فيه من طاقات، وتحقيق ما عنده من التطلعات، وجميع التطورات مبنية على كيفيات التفاعل ما بين القائد والمجتمع. وصيغها تتنوع، ووفقا لطبيعتها تكون محصلة الصيرورة النهائية، والدور الفعّال لذلك المجتمع مع قائده.
وفي خلاصة جوهر المعادلة وضوابط عواملها المساعدة وطاقات تفاعلها، أن القائد المتواصل مع مجتمعٍ قوي، يمكنه أن ينجز أحسن ما يمكن، ويتقدم بسرعة أكبر ويكون دوره قويا ومجزيا.
والقائد القوي هو الذي يمتلك قدرات العمل الناجح في مجتمع الاختلاف، والمجتمع القوي هو المجتمع المختلف القادر على التوحد مع قائد يمتلك مهارات صناعة القوة بعناصر الاختلاف.
فالمجتمعات الديمقراطية المتقدمة، مجتمعات اختلاف وتنوّع، لكن قادتها امتلكوا خبرات بناء النسيج الوطني بخيوط ومواد الاختلاف، فالقائد الناجح والتأريخي هو الذي يوظف قدرات الاختلاف لصالح مشروعه الوطني. وعبر تأريخ الدول الديمقراطية المتنوّرة، يتبين لنا انبثاق آليات توظيف طاقات الاختلاف لصناعة مشاريع الحياة.
ذلك أن طبيعة التفاعلات الأرضية عبارة عن تعبيرات اختلافية متداخلة لصياغة حالة أخرى ناجمة عنها، وبهذا تتأكد استمرارية الوجود والديمومة الحضارية الحية.
وفي البلدان المتأخرة لا توجد مثل هذه القابليات القيادية، ولهذا فإن القائد غائب رغم أنه يجلس على كرسي السلطة، لأنه قد يتمادى بالقوة على حساب قهر الشعب، وخنق طاقاته وسلب إرادته ومنع حريته، ويكون منشغلا في توظيف عوامل الاختلاف لتدمير مجتمعه، وتأمين حماية كرسيه إلى أجل قصير، لأنه يصنع بسلوكه المتطرف قدرات القضاء عليه.
أي أن التفاعل الحضاري ما بين المجتمع القوي والقائد القوي لا وجود له في الدول المتأخرة. فتجد قائدا قويا ومجتمعا ضعيفا، وهذا يعني أن قوة القائد بلا قيمة أو دور وأثر، وإنما هي تعبير أناني عن دوافع ورغبات شخصية، واهتمامات قصيرة الأمد، وطقوس تعبدات في محراب الكرسي. أو تراه يتخبط ما بين الخوف والشك والرعب المتواصل، مما يحدو به إلى أن يمزق أبناء مجتمعه.
وفي الحالتين تكون جميع الأطراف خاسرة، ففي العراق مثلا، كان هناك قائد قوي وشعب ضعيف، وفقا لمتطلبات الكرسي ومفاهيم القوة الفردية مما دفع إلى نتائج مأساوية. واليوم ترى الحالة الأخرى التي يتم بسببها الاستثمار في تدمير المجتمع بآلة الاختلاف، لفقدان القيادة القادرة على بناء الوجود القوي بهذه الطاقات الخلاقة الضرورية للبقاء والارتقاء. ولهذا فإن الضعف والدمار والخراب ديدن الأيام، وعادة الأحزاب والقوى والفئات، لأن المجتمع قد انحرف بسفينة الاختلاف إلى حيث لا يمكن الإبحار والتقدم إلى أمام.
وتلك قضية كبيرة في مجتمعاتنا، تميزنا عن باقي المجتمعات التي تقدمت رغم أنها بدأت بعدنا، ونحن نتعجب منها كيف تقدمت وتوحدت، وهي مجتمعات تعدد واختلاف، وننظر إلى أنفسنا وفينا كل ما يوحدنا، لكننا مجتمعات تمزق وانشقاق وضعف وتداعيات متوالدة.
والعلة تكمن في العلاقة ما بين القيادة والمجتمع، التي لا تدرك معاني القوة وتحسبها كرسيا محاطا بالحراسات، وأموالا تُسرق وفسادا يعم ، وشعبا لا يمكنه أن يتبع ويخضع إلا بالقوة والنار. فالقيادة في عُرف ساستنا ووعيهم وعقيدتهم وسلوكهم، أن تتبع وتخضع وترتع، وإلا فأنت في زنزانتي تقبع!!
واقرأ أيضاً:
تحيا مصر قدوة عربية منيرة!! / نفس إصنع!! / الرفق بالأوطان!! / الطائفية والفساد!!