التعايش مبدأ عربي إسلامي وضع أسسه وأرسى دعائمه الرسول الكريم (ص) عند وصوله المدينة التي تنورت بطلعته،والحناجر تنشد "طلع البدر علينا.....".
حيث رفع راية التآخي والألفة والتراحم. فآخى بين الأنصار والمهاجرين، وأطلق روح الأخوة ما بين الأوس والخزرج. وحالما تحقق التعايش الإنساني الإيجابي، انتعش الدين ثقافيا وإقتصاديا وعسكريا، وإزداد قوة وهيبة،وقدرة على الإمتداد في الآفاق. وتسابقت الشعوب والمجتمعات إلى الإيمان بالله ورسوله وكتابه المبين. فكانت معركة بدر، وفتح مكة،وتوالت بعدهما الفتوحات، وقدرات التأثير والتعبير الأسمى عن الآيات والانتماء للدين.
وأعظم ما في قانون التعايش العربي الإسلامي،أنه جسّد التفاعل الصحيح ما بين الإختلافات،فأصبحت أمة الإسلام أمة متآخية،فيها شعوب وأمم ذات لغات وعادات وتقاليد وثقافات متعددة ومتنوعة،لكنها تعايشت وتواصلت وتحققت، وأكدت وجودها الحضاري الإنساني الوهاج.
وفي الزمن المعاصر، نرى أن الدول المتقدمة القوية الكبرى، قد إستثمرت في مبدأ التعايش ما بين الاختلافات، ولهذا نجدها تحث على الهجرة إليها من أرجاء الدنيا، ويعيش فيها بشر من جميع الأجناس والأعراق والأصول واللغات والمعتقدات، لكنها متفاعلة بآليات التآخي والتراحم والألفة، والعمل الصالح الجاد الذي يسهم في تحقيق المنفعة للجميع، ويحكمه قانون ودستور ينظم السلوك.
وفي مجتمعاتنا التي وُلِدت فيها آليات التعايش والتآخي، أصبحنا نتحدث عن التعايش وكأنه من المستحيلات، فصارنا نكتب عن استحالة أن يتآلف السين مع الشين، والصاد مع الضاد، أو الدال مع الذال وهلم جرا. وهذا يعني أن أبناء الأمة يجهلون حقيقتها وجوهرها، أو ينكرون وجودها، ولا يعرفون ثقافتها وتقاليدها، ومعاييرها الأخلاقية والسلوكية والعقائدية، التي تتخاطب مع الناس كافة، بكل ما فيهم من تنوعات واختلاقات واتجاهات.
وفي مجتمعنا العربي أمست العروبة وكأنها ضدنا، والدين كأنه محنتنا، ونحن منطلقه، والحاملين لمعانيه وأصوله ومبادئه، والمؤتمنين على صيانة هذه الرسالة المنيرة الساطعة.
وكم يُخجل أن نكتب كتابات ننفي بها إمكانية التعايش ما بين أبناء المجتمع الواحد والدين الواحد، ونلونهم بألوان، ونؤطرهم بأطر،ونمنحهم مسميات، نحشرهم فيها ونكيل عليهم أسوأ الصفات، لكي نحلل ما يجب أن نفعله بهم من القهر والتنكيل والفحشاء والدمار المشين.
فكيف تيقّنا باستحالة التعايش ما بين أوتاد خيمة الدين الواحد،وحسبنا كلَ وتدٍ عمودا لا عمود سواه؟!
فهل رأيتم خيمة بلا أعمدة وأوتاد؟
إن ما يحصل هو انحرافات تفكير،وتوجهات تجهيل، واندفاعات تضليل!
وما علينا إلا أن نعود إلى تلك المبادئ الواضحة البسيطة، التي تجمعنا وتطلق قدراتنا، وتستثمر طاقاتنا في الخير والصلاح والفلاح الإنساني.
فهل ندري ما نقول ونكتب؟ أم حسبنا الكلمة مجرد قول؟
وأن القول لا قيمة له ولا معنى!
ونسينا أن الكلمة الطيبة صدقة!!
واقرأ أيضاً:
فكر سقيم وأمة عليلة!! / الحياة إرادة الموجودات!! / حرير وخرير!! / الضمير الوطني الموؤود!!